للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أين موقع "بسكرة" من أفريقيا الشمالية؟]

في كل نادٍ أثر من ثعلبة *

ــ

وثعلبة - في حديثنا اليوم- هو روح لا شخص، هو روح من الأرواح الخبيثة، التي تعتري طائفة من الثعالى الخبيثة، لأغراض خبيثة.

أما الروح فهي الاستعمار الذي أصبح كالسل في الملازمة والتعاصي عن الطب، وفي الفتك في آخر الأمر ... وكما يبتلي السل الأجسام الضعيفة القابلة لسريانه وتأثيره، لأنها غير محصّنة بقوّة المقاومة في الدم، يبتلي الاستعمار الأرواح الضعيفة القابلة لوسوسته وسحره، لأنها غير محصّنة بقوة الإيمان، ومتانة الخلق، وسموّ الهمّة، والشعور بالكرامة والشرف، وما زال للاستعمار في هذه الأمة حق معلوم من هؤلاء الثعالى ... وهم فئة استفزّها الشيطان بصوته فنزر حظها من الإيمان والشرف، فأعطت قيادها للشهوات والمطامع. فقادتها إلى الاستعمار، فكانت حظه منّا، وكأن الله قال للاستعمار ما قاله للشيطان: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ}؛ فكلما قامت في الوطن حركة صالحة، وخشي منها على سلطانه أن ينهار، وعلى ليله أن ينسخه النهار، رماها منهم بواحد كالجماعة في باب التهويل، أو بجماعة كالواحد في باب التعويل، يحاولون نحت صخرتها بالأظافر، وإطفاء جمرتها بالألسنة، والحط من قيمتها بالكذب، وإشاعة قالة السوء فيها بالوقاحة؛ وكلما خاب رهط، عوّضهم برهط، فلا عددهم ينفد، ولا الخيبة تعظ، ولا الاستعمار يرعوي، وقد شهدنا كل هذا في مقاومته لجمعية العلماء في مبدأيها الأساسيين: فصل الدين، والتعليم العربي.

كانت حكومة الجزائر الاستعمارية تحارب جمعية العلماء بالكيد المغلّف بالقانون، والقانون المبطّن بالكيد؛ ولكنها كانت كلما جاءت بآبِدة، وأحكمت تدبيرها، قدّر الله تتبيرها، فرجعت إلى مقاومتها بنوع من جنس عملها:


* نشرت في العدد ١٥٢ من جريدة «البصائر»، ٢٣ أفريل سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>