في الرسميات بهذا التعليم العربي الميت الذي أحدثته، أو الذي تريد أن تحدثه، وتكثر له من المدارس والأقسام، وتريد أن (تنظّمه) بالقرار الأخير الصادر من الوالي العام السابق الذي هو قتل لما بقي من التعليم العربي، وفي غير الرسميات بهؤلاء الرهط الذين تنتدبهم (لمنافسة) جمعية العلماء في أنواع عملها، فهذا مرشد، وهذا واعظ، وهذا مفسّر للقرآن في المساجد وفي المجلّات، وهذا معلّم، وهذا صحافي ... وقد رفعتهم جميعًا إلى أسفل، ونصبتهم أعلام مقاومة، وفتحت لهم مغارات تضليل، سمّوها كليات، وبسطت أيديهم وألسنتهم وأقلامهم بالسوء، وهي من ورائهم تتوارى بهم، كما يتوارى سائق الحمار بالحمار، ثم يَخِزُه ليندفع على غير هدى الغريزة الحمارية، فلا يفهم الناس إلا أن وراء الحمار سائقًا، وأنه يسوقه إلى ما ليس في طبعه، أو ليس في قدرته.
ولو كان هؤلاء الرهط على شيء من الإخلاص واستقلال الإرادة لكانوا مزيدًا فينا، ولشفع الإخلاص في نقص الكفاءة، ولهداهم حب الخير لأمّتهم إلى تأييد الحركة القائمة بكلمة الخير أو بالسكوت؛ ولكنهم مسخّرون لهدمها، غافلون عن العاقبة الحتمية، وهي أنه إذا تمّ لمسخّرهم شيء مما أراد منهم، عاد عليهم فهدمهم.
...
من هؤلاء الرهط (مخلوق) في بسكرة و (مخلوق) في تونس، هما هدف حديثنا اليوم، ونمسك عن البقية إلى أن يحين حينهم، تربط بين المخلوقين صلات قديمة، فيها ما هو لله، وصلات جديدة، كلها للشيطان، وقد أوحى الاستعمار إلى المخلوق البسكري أن ينشئ مدرسة ويضع لها اسمًا يغري، وبرنامجًا يغرّ، وأن يتولّى هو الظواهر التي يراها الناس، ويكل السرائر إلى من "يراكم هو وقبيله"، وكان العربون في هذه الصفقة الخاسرة، تقديم المحل نقدًا، وأشياء أخرى نقدًا ووعدًا؛ وأوحى إلى المخلوق التونسي أن ينشئ صحيفة يضع اسمه واسمها في أعلاها، ويترك أوديتها مجرى للقاذورات.
وقد قام كل مخلوق منهما بما أوحي إليه على حدة، ثم التقيا على قدر ... وتعاونا على الإثم كما أشار "المعلم" وأمر، فكان منهما هذه الافتراءات التي ينشرانها عن جمعية العلماء، وهذه الأكاذيب المتعمّدة التي لو انفصل فيها لسان كل منهما عن قلبه لكذب القلب اللسان؛ ونحن نعلم أن هذه الأكاذيب صادرة عن مخلوق بسكرة، لأنه (خُلق) لمثلها، ومنشورة- بالأمر- من مخلوق تونس، لأنه (أنشئ) لنشر أمثالها. وقد سكتنا عن الأولى احتقارًا لأحدهما واستصغارًا للآخر، فلما تماديا وجب علينا أن نلقمهما حجرًا، ونلقّنهما درسًا، إن لم يكن زجرًا لهما، فموعظة لأمثالهما.