للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن الحكومة (١٣)]

أهذه هي المرحلة الأخيرة من قضية:

فصل الحكومة عن الدين *

ــ

- ٣ -

... وواعجبًا لما تصنع هذه الحكومة ببعض الرجال منا، تعمد إلى الواحد منهم فتبقيه على سحنته، ولكنها تفرغه من شحنته ... تفرغه من معاني الإسلام، والغيرة عليه، والطيرة له، والدفاع عنه، والاعتزاز به، وتملأه بمعان أخرى منها الإفك والزور، ومنها الأنانية والغرور، ومنها الاستخفاف بالإسلام، والاحتقار للمسلمين، ومنها الانقياد للحكومة، والاعتماد عليها، والاعتزاز بها، والتعالي بقوّتها على عباد الله، والتغني بمدحها حتى في بيوت الله؛ فيصبح ذلك الواحد لا يأبه لنقض الإسلام، ولا يغضب لنسخ الأحكام، ولا يبالي بغضب المسلمين؛ كل ذلك لأن الحكومة شاءت ذلك! وإن أباه الله ورسوله والمؤمنون من عباده، وكل ذلك لأن الواحد من هؤلاء راض نفسه على التنكر للإرادة والعزيمة وما جرى مجراهما من الفضائل الشخصية، وعلى الذوبان في الغير، والاستطاعة بالغير، ثم لا يكون هذا الغير إلّا الحكومة بالطبع، لأنها هي التي زرعت الزرع، فهي التي تجني الثمرة.

...

وكل ما ذكرناه من الصور هو تحقيق لا تخيّل، وهو مشخص على أكمله في هذا الشيء الذي يقال له العاصمي، فهو المثال الموضح للقاعدة العامة، وهو الجامع لما تفرق في غيره من جزئياتها، وآية ذلك أنه وصل إلى ما هو فيه بغير الوسائل التي يسلكها الناس لمثل ذلك في المتعارف عندهم، وكأنه يضع قدمه حيث ينتهي طرفه، وما هو إلّا طالب كآلاف الطلبة (١)، من مثل طبقته، فلماذا تقدم وتأخروا؟ ولماذا أصبح رأسًا بعد أن كان بالأمس ذنبًا؟ أهو الحظ؟ لا بل


* نشرت في العدد ١٣٩ من «البصائر»، ٢٩ جانفي عام ١٩٥١.
١) طالب كآلاف الطلّاب: الطالب هو معلّمُ الصبيان القرآن الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>