للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحد مسامت لسلاسل الأطلس متشابه السمات والنبات والحيوان، وسواحل البحر الأبيض متّحدة الخصائص إلى مضيق طارق، يُضاف إلى ذلك اتحاد سحن الأناسي ولهجاتهم وعواطفهم وعاداتهم، وإنما ينفرد الجزء الغربي وهو معظم مراكش بوقوع سواحله على المحيط مغربة أولًا، وذاهبة إلى الجنوب آخرًا.

وكانت هذه الأجزاء كلها تابعة في إدارتها للقيروان، خاضعة لسلطان الخلافة الأموية، ثم لسلطان الخلافة العبّاسية، إلى أن قامت الدعوة الإدريسية العلوية مناهضة للخلافة العبّاسية، فاقتطعت مراكش من هذا الوطن الواسع الموحّد.

وبقيت القيروان تتلفى الولاة من الخلفاء بالشرق، إلى أن وُلّيها ابراهيم بن الأغلب بن سالم التميمي، فبدأت العلائق تتراخى بين القيروان وبين دار الخلافة في بغداد، وكانت ولايته في حدود مائة وأربع وثمانين للهجرة.

كانت الجزائر بحدودها الحالية تابعة للقيروان في هذه المدة كلها إلا ما كان من اقتطاع سليمان بن عبد الله أخي إدريس الأكبر لتلمسان وأعمالها، وهو مناهض للخلافة العبّاسية، لأنه- كأخيه إدريس - قائم بالدعوة العلوية، والعلويون شرقيون فلم تخرج الإمارات التي أقاموها عن كونها عربية، وكذلك الأغالبة الذين توارثوا إمرة القيروان، لم تخرج إمارتهم عن كونها شرقية عربية.

[حقبة المد والجزر للجزائر بين تونس ومراكش]

أول عاصمة للمملكة العربية الإسلامية التابعة للدولتين الأموية والعبّاسية هي مدينة القيروان، وهي واقعة في القطر التونسي، أو ما يسمّى "المغرب الأدنى"، ثم خلفتها مدينة تونس بعد قيامها في ولاية عبد الله بن الحبحاب، في العشر الأول من القرن الثاني، ثم نشأت عاصمة أخرى وهي مدينة فاس التي اختطها إدريس الأصغر، وموقعها في القطر المراكشي الذي اقتطعه إدريس الأكبر من الممالك العبّاسية، وأقام فيه الدعوة العلوية المضادة للعبّاسيين، وقد رسخت شهرة هاتين العاصمتين في الأذهان، مقرونة بذكريات مكينة محترمة. فالقيروان أثر من آثار الفاتح العظيم عقبة بن نافع الفهري الصحابي الجليل، وهي مركز الفتوحات الإسلامية التي انتهت إلى الأندلس، فاحترامها في النفوس شعبة من احترام الدين، ولا تزال في نفوس الناس بقايا من ذلك الاحترام، وفاس مختط إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنّى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب، فاحترامها في النفوس شعبة من احترام آل البيت وسلالة الزهراء، ولما انقرضت دولة الأدارسة خلفت فاسًا مدينة مراكش اللمتونية، فكانت الدول المحدثة بعد ذلك تتعاقب على العاصمتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>