للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن الحكومة (٢٠)]

... خصمان، فمن الحكم ... ؟ *

(تتمة وخاتمة)

ــ

- ٢ -

زين للاستعمار سوء عمله فطغى وبغى، وكفر وعتا، وأتى من الشر ما أتى، فلو تصور إنسانًا لأربى على فرعون الذي نازع الله ربوبيته، وحدثته نفسه أن يطلع إلى إله موسى، وعلى عاقر الناقة الذي جرّ العذاب على قومه، ولو تصور حيوانًا لكان وحشا (إن لا يلغ في الدماء ينتهس) ولو تصور ماءً لكان ملحًا زُعاقًا، وحميًا وغساقًا، أو ريحًا لكان إعصارًا يدمر كل شيء بإذن الشيطان، ولكنه حقيقة، والحقائق- كما يقول المناطقة- توجد في ضمن أفرادها، فالاستعمار هو هذه الأخلاق المتفشية في المنتسبين إليه، والآخذين بدينه، وهذه الأفكار التي لا تفكّر إلّا في استعباد الناس، وصوغ القيود لبقاء ذلك الاستعباد، وهذه العقول المحدودة، التي تسخر العلم للصناعة، والصناعة للإبادة والتدمير، وهذه الضمائر الجافة من الرحمة بالمستضعفين، بل الاستعمار هو هذه الأجهزة المتناقضة التي يلعن بعضها بعضًا، من ألسنة تنطف العسل، وتنطق بالحرية والإخاء والسلام، ونفوس من ورائها تضمر خلاف ذلك، وأعمال من ورائهما تشرح "باب التناقض" بـ"باب العكس" وتنتهك حرمات الله وأديانه، وتسوس البشر بشرائع البحر: حوت يلقم حوتًا، وبقوانين الغابة: ضار يفترس وادعًا ...

إن الاستعمار لا يؤمن بالله حتى نسأله الإنصاف لدينه الحق، ولكنه يؤمن بالقوّة، فلنحذره عواقب الاغترار، فإن هذه الأمة في مجموعها قوّة ... قوّة بعددها، وبالمعاني التي استيقظت فيها، وبإيمانها بحقها، وبتصميمها على استرجاعه؛ فإذا تعامَى عن هذه القوات كلها فإن تقلبات الدهر ستفتح عينيه منها على ما يكرَه، وإن الله للظالمين لبالمرصاد.

...


* نشرت في العدد ١٥٩ من جريدة «البصائر»، ١١ جوان سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>