للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حركة جمعية العلماء بباريس *

الأستاذ الجليل الشيخ العربي التبسي، عالم القطر ومفتيه، وداعي الرشد ومؤتيه، كما يقول ابن الخطيب في ابن رشد، وهو يمتاز بشعور حاد ملتهب، واهتمام عام بشؤون المسلمين وحالتهم الحاضرة. تحدّثه عن غيرها، وتبعد به عنها ما شئت، فإذا هو منجذب إليها بأدنى مناسبة، ومسترسل في الحديث عنها إلى غير حدّ، وسائق جليسه إلى الخوض فيها، وهو وصاف ماهر لأدواء المسلمين وأدويتها، يفيض كالسيل إذا أفاض فيها.

كانت إقامة الأستاذ التبسي في باريس أواخر السنة الفارطة خيرًا وبركة على الجالية الجزائرية فيها، فقد كان وهو في الجزائر- وما زال- يحمل همّا مضاعفًا من سوء حالتها الدينية والاجتماعية، فلما سافر إلى باريس، ورأى بعينه واطلع على حقيقة الحال، وتصوّر مآل تلك الجالية العظيمة التي تزوجت هناك ونسلت، هاله أن تكون عواقب الآباء والأبناء نسيان الإسلام والعربية العامية فضلًا عن العلمية، والانسلاخ منهما بالتدريج، إن لم تتداركهم جمعية العلماء بالإنقاذ، لأنها هي المسؤولة وحدها عن إنقاذهم، وفي باريس وحدها ما يقرب من مائة وخمسين ألف عامل جزائري. وقد ولد المتزوجون منهم نحوًا من خمسة عشر ألف ولد، وهذا العدد يكون جيشًا كاملًا إن خسرته الجزائر لأسباب قاهرة، فحرام أن يخسره الإسلام والعروبة.

فكّرت جمعية العلماء في أداء هذا الواجب لإخواننا المهاجرين إلى فرنسا، مرّات، بل لم تبرح مفكرة فيه منذ نشأت، وقد باشرته بالفعل في بعض الأوقات بما وسعه إمكانها، وقام الأستاذ الورتيلاني في هذا السبيل المقام المحمود لسنوات قبل الحرب الأخيرة وأمدّته الجمعية بطائفة من المعلمين والمحاضرين، وكان عدد الجالية إذ ذاك أقل، وكان الخطر


* "البصائر"، العدد ١٤٨، السنة الرابعة من السلسلة الثانية، ٢٦ مارس ١٩٥١م. (بدون إمضاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>