للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتوغ أخف، أما الآن فقد تضاعف العدد، وتفاقم الخطر، ولا دافع له إلا جهد جبار منظم تقوده جمعية العلماء، ويعاون عليه كلّ مسلم صحيح الإسلام، صادق الوطنية، صحيح الإدراك والتصور للحالة وعواقبها، فهناك أولاد بلغوا الحلم، وهم لا يعرفون شيئًا عن الإسلام، ولا كلمة عن العربية، وهناك بنات بلغن حد التزوج، وهن ينتظرن ما يُهيِّئُه القدر لهن من حظ، وقد شهدنا بالاختبار أن كثيرًا من الأمهات صالحات في الحياة، معينات على تدبيرها، وهن لا يمانعن في تربية أولادهن تربية دينية، إذا وجد من يقوم بها، وهل يقوم بها الآباء؟ وهم أنفسهم في حاجة إلى هذا النوع من التربية.

إن هذا الواجب مؤكد على جمعية العلماء من حيث الإرشاد والتوجيه والتعليم، وعلى الجالية الجزائرية بما فيها من هيئات نقابية وحزبية من حيث العون المادي، كما هو واقع في الجزائر، على أن يبقى مال فرنسا في فرنسا، تسير به الحركة على أيدي هيئات تتكوّن من الجالية لهذا الغرض.

وقد قام الأستاذ التبسي بأول واجب في القضية، وهو لفت الأذهان إلى هذا، وتحضير النظم اللازمة، وتكوين الهيئات العاملة، وبلغ من ذلك كله الغاية، ولم يبق إلا العمل الإيجابي، وهو ما بدأنا فيه منذ الآن.

...

والأستاذ عبد الرحمان اليعلاوي رجل كله عقل، يظهر أثر العقل في أقواله المتزنة، ويظهر في أعماله المنظمة، ويظهر في كتابته الأدبية والسياسية، ويظهر في أحواله المنزلية الخاصة، ويظهر في علائقه بالناس، فهو يواصل بعقل، ويقاطع بعقل، ويحبّ هونًا، ويبغض هونًا، يجادلك في العلم أو في السياسة أو في الاجتماع، فيكون عقله أكبر أعوانه عليك، وأمضى أدواته في الإقناع أو الإلزام، وفي الدفاع وفي الهجوم.

جزائري النسب، لم تزل بقايا أسرته في قرية من ضواحي قنزات قاعدة بني يعلى، ومن هنا جاءت نسبته التي عرف بها، تونسي المولد في بلد سوق الأربعاء، وبها أقاربه الأدنون، زيتوني النشأة الروحية والعلمية، درس في الزيتونة إلى أعلى درجاتها إذ ذاك، وهي درجة (التطويع) وصاحب نهضة الشباب في عنفوانها، وكان أحد العاملين المعدودين لتغذيتها، وشارك في الحركة الدستورية لأول عهدها، فضاقت الحكومة ذرعًا بنشاطه فيها فأبعدته إلى القطر الجزائري بدعوى أنه جزائري الأصل، فأقام بمدينة عنابة نحوًا من ثمانية أعوام، يعلّم ويُلقي دروس الوعظ والإرشاد، وكانت الإرهاصات بظهور جمعية العلماء تتتابع، فكانت دروسه أحدها لاشتمالها على المبادئ الإصلاحية، ثم أظلّه تكوينها وهو في "عنابة"، فهلّل

<<  <  ج: ص:  >  >>