للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطبعة والمدفع! *

"إذا كان المدفع قد انتزع من سيف البطل صولته، فإن المطبعة قد انتزعت من قلم الورّاق دولته".

ــ

لو عاش ذلك النوع اللطيف من أنواع الأدب وهو عقد المناظرات والمفاخرات بين الصوامت المتضادة أو المتقابلة أو المتقاربة الأثر كالليل والنهار والسيف والقلم، لكان هذا أوان ازدهاره، ولأتى فيه أدباء العصر بالغرائب في مفاخرات بين مبتكرات هذا العصر، وأثرها في حضارة العصر، وبين أشباهها من أدوات الحضارة في الماضي، كالمدفع والسيف، والقنبلة الذرية مع المدفع، وكالمطبعة مع القلم، وإذا لكان الفَلْج للمدفع على السيف، وللمطبعة على القلم.

...

المطبعة هي الغرة الشادخة في مخترعات هذا العصر وعجائبه، بل هي أشرف المخترعات قدرًا وأوسعها أثرًا، يُستغنى عن غيرها في بعض الأوقات وعند طوائف من الناس، ولا يُستغنى عنها في وقت من الأوقات، ولا في حالة من الحالات، ولا عند أحد من الناس، فإذا قورنت بالمدفع في عموم النفع بزّته، لأن المدفع أداة حرب، والحرب دمار، والمطبعة أداة علم، والعلم عمار، ولولا المطبعة ما ارتقى علم ولا فن ولا صناعة ولا تجارة ولا عمران، ولولا المطبعة ما تمّ للنهضات العقلية والفكرية والفنية تمام، ولولا المطبعة لما أحيا الخلف مآثر السلف فوصلوا بها حلقات التاريخ العلمي.

والمطبعة- اليوم- ضرورة من ضرورات الحياة في كل فرع من فروعها، تقرّب البعيد من رغائبها، وتيسّر العسير من مطالبها، تسرع بالبطاء إلى غاياتها ولو أن نهضة كنهضة جمعية العلماء صاحبتها مطبعة راقية كاملة الأدوات لتقدّمت بها خطوات فساحًا، ولكانت أعود عليها بالنفع والخير من عشرات المدارس.


* «البصائر»، العدد ٢٨٣، السنة السابعة من السلسلة الثانية، ٣ سبتمبر ١٩٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>