للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فلسطين (٦)]

واجباتها على العرب *

ــ

كاتب هذه السطور عربي، يعتز بعروبته إلى حد الغلوّ، ويعتدُّ بها إلى حد التعصّب، ويفخر بأبوّة العرب له إلى حد الانتِخاء؛ ما يودُّ أنّ له بذلك كله جميعَ ما يفخَر به الفاخرون من أحساب؛ فإذا أدار الضمائر في هذه المقالات على منهج التكلّم وقال: أنا، ونحن، وقلنا، وفعلنا، ولا نرضى ولن نرضى فهو حقيق بذلك، وإذا حشر نفسه في العصبة الذائدة عن فلسطين، وأشركها في العصبية الغالية لفلسطين، فليس بمدفوع عن ذلك، لأنه عربي أولًا، ومسلم ثانيًا، وفلسطيني بحكم العروبة والإسلام ثالثًا؛ فله بعروبته شرك في فلسطين من يوم طلعت هوادي خيول أجداده على البلقاء والمشارف، وتصاهلتْ جيادهم باليرموك، تحمل الموت الزُّؤام للأروام؛ وله بإسلامه عهد لفلسطين من يوم اختارها الباري للعروج، إلى السماء ذات البروج، وله إلى فلسطين نسبة من يوم قال الناس: مسجد عُمر، بل من يوم قالوا: غزة هاشم؛ فإذا لم يقم بالحق، ولم يَفِ بالعهد، وُسِم بالعقوق لوطنه الأكبر، ووُصم بالخيانة لدينه الجامع، وزنَّ بدعوى البنُوَّة في تلك الأبوَّة، وقديمًا انتخى جرير - وهو في الصميم من تميم - بخيله التي وردت نجران معلمة بالدارعين؛ وما وردت نجران إلا لإنقاذ تَيم، حين مسّها الضيم (١)؛ فكيف لا ينتخي بخيله التي وردت المشارف مَن هو في السر من فهر، وفي الذوائب من قريش. وما وردت إلا لإنقاذ تراث الخليل، من يد الدخيل.

وهذه الصحيفة عربيّة، تلوح من خلال سطورها ومضات من إشراق البيان العربي، وتَسري في جوانبها نفحات من سر العروبة، وتُسجَّل على صفحاتها صُوَر من أمجاد العرب،


* نشرت في العدد ٢٥ من جريدة «البصائر»، ١ مارس سنة ١٩٤٨.
يقول جرير يفتخر بهذه القصة:
خيلي التي وردت نجران معلمة ... بالدارعين وبالخيل الكراديس
تدعوك تيم، وتيم في قرى سَبَإٍ ... قد عضّ أعناقها قدّ الجواميس

<<  <  ج: ص:  >  >>