للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتُستروح من أعطافها سمات من شمائل العرب وترفضّ فِقَرها- أحيانًا- عن مثل فتيت العنبر من مفاخرهم، وعن مثل شتيت الجوهر من آدابهم، وهي- بعد- لسان من ألسنة الإسلام، تنافح عن تراثه، وتناضل بين يَدَيْ وُرَّاثه، وتجاوز في ذلك مواطن العرب إلى حيث تتشابك الوشائج الروحية، وتتعانق الفروع الإسلامية؛ إلى حيث تجتمع القلوب على القرآن، وتتظاهر على تلاوته الألسنة والأسماع، إلى حيث تتفيأ على النفوس ظلاله، ويرتسم فيها جلاله، فإذا تقلَّدت هذه الصحيفة القلم الجائل، وروَّتْ ظمأها بالمداد السائل، في سبيل فلسطين فهي حقيقة بذلك، وإن ذلك لبعض حق فلسطين عليها.

وهذا الوطن الذي نبتنا في ثراه، وغُذِّينا بثمراته، وسُقينا عذبه ونميره، وتقلّبنا بين جباله وسهوله في النضرة والنعيم، وأودعنا فيه الذخائر الغالية من رُفات الأجداد، وطنٌ عربيُّ المنتسب، يشهد بذلك القلم واللسان، والأسماء والأفعال، وتشهد بذلك التواريخ المكتوبة، والأخبار غير المكذوبة، فإذا تظلَّم وتألَّم لفلسطين، وامتعض وارتمض للعدوان عليها، وإذا نهض يُواسي ويُعين، ويُسعف ويسعد، فهو حقيق بذلك، وإن ذلك لبعض حق فلسطين عليه.

ولكن ... هل من الصحيح أن التفجّع والتوجّع والتظلم والتألم والأقوال تتعالى، والاحتجاجات تتوالى، هي كل ما لفلسطين علينا من حقّ؟ وهل من المعقول أن التفجّع وما عطف عليه- مجتمعات في زمن، مقترنات في قرن- تدفع حيفًا، أو تفلّ لظالم سيفًا، أو تردّ عادية عاد، أو تسفّه حلم صهيون في أرض الميعاد؟ لا ... والذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

...

قُسمت فلسطين (بالتصويت) وهو أضعف صدى، وعلى (الأوراق) وهي أنزر جَدًا، وبالأغلبية السائرة على غير هُدى، تحدّيًا للعرب الذين كانوا في ذلك المجلس أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا. فقامت قيامة العرب الأُباة حيثما أقلَّتهم أرض، وكان المظهر الأول للإباء العربي إجماع مندوبيهم في جامعة الدول على استنكار التقسيم، وتسميته باسمه الحقيقي وهو الاعتداء والإجرام، وإرسالهم في وجوه الظالمين صيحةً صاخّة بأنهم لا يذعنون لهذا الحكم ولا يخضعون له، وأنهم سيتحدّون هذا القضاء وقضاته بالاحتكام إلى السيف، يمحون به بغي الخُلطاء، وبقية اللُّقطاء، فسجل أولئك المندوبون للعروبة موقفًا من مواقف الشرف، ما هو بأول المواقف ولا بآخرها؛ وكان المظهر الثاني في الصحف والألسنة والأقلام، فأجمعتْ صحف العرب على اختلاف مواطنها من بغداد إلى مراكش على التنديد والاستنكار، وأجمع خطباء العرب على التحريض والاستنفار؛ وكان المظهر الثالث مظهر الأمم العربية فتداعت إلى المؤتمرات. وتنادتْ إلى الاجتماعات والمظاهرات.

<<  <  ج: ص:  >  >>