للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن ... هل من الجدّ أن هذه المظاهر الثلاثة مجتمعةً هي كل ما لفلسطين على العرب من حقوق؟ وهل هذه المظاهر الثلاثة مجتمعة تمحو قرار التقسيم، وتُثبت حق العرب؟ اللهم لا ...

ثم كان المظهر الرابع اجتماعات وزراء الدول العربية باسم جامعتها، وزعماء العرب السياسيين وقادتهم العسكريين، لتنسيق الآراء وترتيب الخطط وتدبير المقاومة المشتركة، وقد بلغوا من ذلك ما أقرَّ عيون العرب وهدّأ خواطرهم، وإن قال قائلون: إنهم تباطأوا في أمر يجب فيه الاستعجال، وأطالوا الروية فيما يلزم فيه الارتجال، وقال آخرون: إنهم ما زالوا يؤثرون الديبلوماسية ومجاملاتها مع دهاة الديبلوماسية، وُيخشى أن يكون من آثار ذلك فتٌّ في الأعضاء وتوهين للعزائم وتنفيس على العدوّ في الوقت.

أمّا الحقّ الذي مكانه من هذه المظاهر مكان البسملة من اللّوح، فهو ما قام به عرب فلسطين الأبطال الذين كشفوا عن صواب الرأي القِناع، وحذفوا من الجملة حرف الامتناع، ونبذوا التردد، وأخذوا بالمغافصة، ومحوا بالسيف ما قال ابن دارة (٢)، وفتحوا باب الموت على مصراعيْه، و "تآسوا فسنّوا للكرام التآسيا" (٣)، وهذا هو العنوان كتبه عرب فلسطين بالصفاح لا بالأقلام، وهذا هو الواجب شرعه عرب فلسطين لجميع العرب.

...

أعمال عرب فلسطين مقدّمة فأين الكتاب؟ وطليعة فأين الكتائب؟ وواجب فأين ما لا يتمّ الواجب إلا به؟

ما على عرب فلسطين- بعد ذلك- من سبيل، إنما السبيل على العرب في مشارق الأرض ومغاربها، حكومات وقادةً وشعوبًا رجالًا ونساءً، وليست القضية قضية جماعة أو حكومة أو قطر؛ وإنما هي مسألة العرب جميعًا؛ لا يستبرئون لعهد العروبة وأمانتها إلا بالقيام بها جميعًا. ثم هي- بعد- قضية استعمار أحول، رجلُه في فلسطين وعينه على العراق والخليج وأعالي اليمن، وعينه الأخرى على مصر؛ فإذا لم يبادر العرب بالاصطلام، بادرهم بالالتهام:

هما خطتا: إمّا إسارٌ ومنّة ... وإما دمٌ، والموت بالحر أجدر

إن الواجب على العرب لفلسطين يتألف من جزءين: المال والرجال، وإن حظوظهم من هذا الواجب متفاوتة بتفاوتهم في القرب والبعد، ودرجات الإمكان وحدود الاستطاعة ووجود


٢) تلميح لقول الشاعر العربي: محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا.
٣) عجز بيت وصدره: وإن الألى بالطفّ من آل هاشم.

<<  <  ج: ص:  >  >>