للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنها ترتكب ما هو شر من السبي، وهو القتل الذريع الشنيع للضعيفين المرأة والطفل، وتأسر المقاتل، والأسر استرقاق في أبشع صوره، ولا تزال الألوف المؤلفة من أسارى الحرب الأخيرة تحت أيدي الغالبين يسخّرونهم في أشقّ الأعمال.

وجاءت النبوّات الخاصة فلم تفعل شيئًا في إصلاح هذه المفسدة، بل سايرت فيها مذاهب العامّة، وفيها ما أباح الاسترقاق لغير الأمم المفضلة بالنبوّة، إلى أن جاءت النبوّة المحمدية العامة بالتشريع التام الكامل، والإصلاح العام الشامل، فكان لها تدبير حكيم لعلاج هذه المشكلة التي لم تحلها الحضارات ولا النبوات.

[عمل الإسلام في الرق]

أول ما بدأ به الإسلام في إصلاح قضية الاسترقاق التضييق في أسبابها فحصرها في سبب واحد وهو الكفر، الموجب للجهاد الديني في أهله ثم يورث من جهة الأمَة فقط، فابن الأمَة رقيق.

والقتال بين البشر بحسب أسبابه يرجع إلى نوعين: الأول وهو المتعارف بين الناس منذ صاروا شعوبًا وقبائل إلى الآن، هو القتال للتسلّط أو للغنيمة أو للتشفّي أو توسيع رقعة المملكة واستغلال الغالب لوطن المغلوب، وهذه هي حرب البغي والعدوان، وليست لها غايات إنسانية، ولا بواعث شريفة، وحروب هذه العصور كلها من هذا القبيل، وغاياتها كلها شر، وقد أيّدتها الحضارة الحاضرة بعلومها وصنائعها فزادتها شرًا على شر وفظاعة وفتكًا على فتك، والتاريخ يحمّل علماء هذه الحضارة تبعات هذه الشرور كلها بما يخترعون من وسائل التدمير، وكان واجب الأمانة أن يوجّهوا علومهم لحياة البشر لا لموتهم، وهذا النوع من القتال لا يبيحه الإسلام ولا يبيح استرقاق من يسبى فيه.

النوع الثاني: هو ما جاء به الإسلام وسمّاه جهادًا وهو قتال المعارضين لدعوته، الواقفين في سبيلها، بعد تبليغهم الدعوة، وتمكينهم من النظر فيها بالعقل والروية وانظارهم إلى المدة الكافية لذلك، فإن لم يقبلوها بعد ذلك ولم يقفوا في طريقها تركوا وشأنهم، ولا إكراه في دين الإسلام بالنص القرآني القاطع، وإنما الواجب في الإسلام التبليغ والبيان، وإن لم يقبلوا دعوة الإسلام ووقفوا في طريقها يصدّون الناس عنها بالكلام أو بالتحريض وجب في حكم الإسلام قتالهم وقتل المقاتلة منهم فقط أو أسرهم، وسبي النساء والذراري واسترقاقهم، فهذا هو شرط الاسترقاق في الإسلام، وفيه- كما ترى- تضييق لدائرته الواسعة المتعارفة في البشر قبل الإسلام، وتخصيص لعمومها، واستقراء ما أدخله الإسلام على هذه القضية من إصلاح يكاد يمحو آثارها من الوجود. وفي الحديث النبوي تقسيم بديع لأنواع القتال وفيه

<<  <  ج: ص:  >  >>