للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سؤال وجوابه *

[لمحة من أخلاق الشاعر محمد العيد]

ــ

سألنا جماعة من الأدباء بيان ما أثنى به الأعرابيّ على بعلته، وذكروا أنهم قرأوها في افتتاحية "للبصائر" قريبة العهد، فما فهموا مرجع إشارتها، وسألوا عن البعلة- مؤنث بعل- هل هي فصيحة.

أما البعلة فهي فصيحة، ومن قرأ عرف، وأما ما أثنى به الأعرابي على بعلته، فهو إشارة إلى قوله يخاطب زوجته:

أَثْنِي عَلَيَّ بِمَا عَلِمْتِ فَإنَّنِي ... مُثْنٍ عَلَيْكِ بِمِثْلِ رِيحِ الجَوْرَبِ

وريحُ الجورب من الرجل العرقة التي تمكث فيه أيامًا، ولا تزور الماء إلا لمامًا، هو (طيب عاطر الأنفاس) فالثناء بمثله ثناء بأخبث شيء في الدنيا، ولم يبق من استيفائه لشرائط المكروه إلا أن يصدر عن ذي فم أبخر ...

بهذه المناسبة- وإن كانت مستقذرة- أكرّر النصيحة لأدبائنا الكسالى، وأجعلُ هذه النصيحة غسولًا للجورب ورجله، أن لا يقنعوا من الأدب بما يلقاهم منه في أيام الطلب في الكتب المقرّرة، فإن ذلك القدر النزر لا يربي ملكة، ولا يصقل ذهنًا، ولا يكوّن أديبًا، إنما يربي الملكات الأدبية الصحيحة ويقوّمها- الإدمان، إدمان القراءة المتأنية المتدبرة لكتب الأدب الحرّة الأصيلة، والاستكثار من حفظ الشعر واللغات والأمثال، ومعرفة مواردها ومضاربها، والتنبّه لمواقع استعمالها من كلام البلغاء، من شعراء وخطباء وكتّاب، ثم ترويض القرائح والألسنة والأقلام على المحاذاة؛ ذلك أدنى أن تستحكم الملكة، وتنقاد القريحة فتجري الأقلام على سداد، ويمدّها الفكر من تلك المعاني بأمداد، وتوضع الكلمات في


* نُشرت في العدد ١٤٣ من جريدة «البصائر»، ١٩ فيفري سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>