للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجزائر الثائرة *

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أيها الإخوان:

كانت جمعية الشبان المسلمين- كعادتها في كل ما تزاول وتحاول- ملهمة إلهامًا سماويًّا في هذا العنوان الذي أطلقته على يوم الجزائر، وهو: الجزائر الثائرة- لأنه وصف صادق على الجزائر، مطابق لحالتها الذاتية الدائمة بمعنييه اللغويين، فهي ثائرة بالصفة المشتقة من الثورة وهي ثائرة بالفهم المشتق من الثأر، والعرب يقولون لكل خارج على مألوف عرفي هو ثائر، كما يقولون لطالب الثأر وللآخذ به ثائر، مع اختلاف المادتين في أصل المعنى، لأن من بدائع لغتهم تلاقي المادتين المختلفتين على الوصف مثل: سال وسأل يلتقيان في سائل، وثار وثأر يلتقيان في ثائر.

والثورة والثأر كما يلتقيان في الوصف يلتقيان في بعض الحقيقة وبعض الأسباب وبعض النتائج وبعض الوسائل، ففي الثأر شيء من معنى الثورة، لأنه جزاء وانتقام، ولأن فيه طلبًا لحق، وفيه إطفاء غيظ وشفاء نفس، وفيه نكاية لعدو وانتصاف من ظالم، وفي الثورة شيء من معنى الثأر لأنها إما سعي في استرجاع حق مغصوب، أو حفاظ على شرف مهدر، أو ذياد عن كرامة مهانة، أو دفاع عن عرض منتهك، أو غيرة على حرية مسلوبة، أو نضال عن وطن مستباح، أو حمية لدين مستضام، والجزائر تجمع هذا كله، وثورتها- حين تثور- تجتمع على هذا كله.

الجزائر ثائرة بالمعنى الأول على الاستعمار الفرنسي الذي جثم عليها قرنًا وربع قرن وسامها سوء العذاب ورماها بالمخزيات الثلاث: الجهل والفقر والمرض، واستأثر بخيراتها الوفيرة، وقضى بأساليب يعجز عنها الشيطان على كل أسباب القوّة فيها، وتدسس إلى مكامن الروابط الأخوية بين أبنائها فأفسد الأخوة وقطع حبال الأرحام حتى نصب للأخ عدوًا


* كلمة الشيخ في الاحتفال بيوم الجزائر في جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، عام ١٩٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>