للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أخيه وللجار عدوًا من جاره وللقبيلة عدوًا من القبيلة، وللأمة كلها جواسيس من الأئمة الذين أقامهم للصلاة وإقامة الشعائر، وقبل ذلك كله وضع يده على الأوقاف الإسلامية التي هي ملك الله فتصرف فيها ووزعها على الأوربيين وعلى الهيئات التبشيرية والجمعيات المسيحية، وأحال كثيرًا من المساجد الكبيرة في المدن كنائس ومتاحف ومستشفيات وهدم كثيرًا منها للشوارع والحدائق والميادين، ثم هجم بمبشريه وكتبه وملاهيه ومخامره ومواخيره ومدارسه ومدرسيه على عقيدتها السماوية يريد أن يمحوها، وعلى عقلها العربي يريد أن يزيّفه، وعلى فكرها الإسلامي يريد أن يمسخه، وعلى ضميرها الحي يريد أن يخدره، وعلى روحانيتها الشرقية يريد أن يطفئها، كما جند قوانينه المتلاحقة على اللغة العربية يريد أن يقضي عليها ويرحلها من وطنها، ويغمرها برطانته التي سحر بها ألباب المفتونين في هذا الشرق، ليتخذ منهم أدوات إنسانية تلهج بذكره وتسبح بحمده وشكره، وتحسن مقابحه وتستر سوءاته، وتقطع لأجله ما وصل الله من أسباب الإسلام وأرحام العروبة ووأسفاه! والجزائر ثائرة بالمعنى الثاني، فلها عند فرنسا ثارات تمتد مع القرن سنة سنة، فكم قتلت من أبناء الجزائر مئات وألوفًا وعشرات الألوف. لا نعني من قتلتهم من المجاهدين فيها أو الثائرين عليها من عهد احتلالها لوطننا إلى الآن فأولئك شهداء طلبوا الشهادة من طريقها وسعوا إلى الموت في أشرف ميادينه مختارين، وأولئك لم يموتوا وإنما اتخذوا الموت جسرًا إلى الجنة وممرًا من الحياة إلى الاحياء، وأولئك قوم فهموا الحياة على حقيقتها وعلموا أن أعلى قيمها أن تبذل في ما هو أغلى من كرائم أشياء العرب، وأولئك هم رأس مالنا إذا تغالت الأمم في رؤوس أموالها من المجد والمفاخر، وأولئك لا نعدهم على فرنسا ولا نعدها من قتلتهم لأنها أحقر من ذلك، ولا نعدهم من قتلاها لأنهم أجل من ذلك.

وإنما الثارات والترات التي لنا في عنق فرنسا هي دماء أبنائنا التي أريقت في سبيلها في الحروب الاستعمارية التي أذلت بها رقاب الأمم وفي الحروب الأوربية التي حفظت بها وجودها.

إنما الثارات التي نطلبها من فرنسا ولا نهدأ حتى نأخدها بها ونشفي صدورنا بالاقتصاص منها هي ثارات من قتلتهم غيلة وخداعًا.

إننا نذكر لكم الجديد ولا ننسى القديم فقد قتلت منا بالأمس في الثامن ماي ١٩٤٥ ما يقارب ستين ألفا في يوم فرح العالم أجمع بإنهاء الحروب، خرجوا يشاركون مشاركة المتفرج عزلًا مستضعفين، فلقي ذلك العدد العديد حتوفهم على غرة بمكيدة مدبرة من حثالات الأوربيين الحاقدين على المسلم لأنه مسلم ومن ورائهم الحكومة وجنودها، وما نقمت منهم فرنسا وأوباشها إلّا لأن أبناءهم ماتوا في سبيل احيائها بعد الموت وانقاذها بعد الانهيار، وكان من لؤم فرنسا ومخازيها أن جرّت الأبناء إلى القتل في ميادين الحروب ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>