للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هذه "العزيمة"]

تقديم الحسن القادري

ــ

أنشئت هذه "العزيمة" على طريقة مشاهير "اليقَّاشِين" المعروفين من طلبة علم الجدول والأوفاق، وأصحاب التمائم والعزائم، للتحكم في أمر الجانّ، وإخراج العفريت من جسد الإنسان، والتغلّب عليه لتصريفه في كل شان، بأسماء القهر والزجر للإذعان، وتذليله بكل ما يُرعب ويُخيف، من كل أمر سخيف، وكل شرّير خبيث، في العالَم القديم والحديث.

وهذه "العزيمة" حَوَت من ذلك طائفة من أسماء الإنسان والحيوان، والأماكن والبلدان، والأشياء الملعونة، والمعاني المعفونة، في الجزائر وغير الجزائر، والأشخاص من عرب وعجَم، ممّنْ يُقدح فيه أو يُذمّ، وبذلك جاءت "العزيمة" تحفة أدبية، ومُلْحة طريفة من إنشاء الأديب المبدع حامل لواء البلاغة والبيان، الحافظ العلّامة أستاذنا الكريم فضيلة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي حفظه الله، أملاها علي يوم زرته بمنفاه في بلدة "افلو" بالجنوب الوهراني سنة ١٩٤١، وقد بعث بها يَوْمَذاك إلى أخيه العلّامة فقيد الجزائر الشهيد العظيم فضيلة الشيخ العربي التبسّي رحمه الله رحمة واسعة، وكان شيخنا- رعاه الله- راسله بها إلى "تبسّه" جوابًا فكاهيًا وتسلية ممتعة عن تذمّره وحيرته من عدم وصول مكاتيبه التي كانت كثيرًا ما تضيع بالبريد، فلم تصل إلى الشيخ بأَفْلُو، ولما أشعره بذلك كتب إليه متسائلًا في حيرة: "مَن هو هذا الذي يتسلّط على رسائلي فيُتلِفها ولا يتركها تصل؟ " إلى آخر الحكاية التي أُنشئت من أجلها هذه "العزيمة".

وإلى إخواني الأعزاء الذين يروق لهم هذا الضرب من الأدب الرفيع المنتزع من صميم حياة المجتمع الجزائري في ذلك العصر المظلم من عهد الاستعمار البائد إلى غير رجعة- أقدّمها لهم بنصّها الكامل، نزولاً عند رغبة منشئها شيخنا الكريم- شفاه الله وأطال بقاءه- وقد كنتُ كتبتُ منها عدّة نسخ بأفلو سنة ١٩٤١ ولم تبق بيدي إلّا نسختي الخاصّة، فأعود إلى انتساخها مرّة أخرى بوهران بخطّى الفاني بتاريخ ١٣ يونيو ١٩٦٣.

الحسن بغدادي القادري

<<  <  ج: ص:  >  >>