للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشك في الإيجاب ... نصف السلب *

قرأنا في خطب كثيرة من المسؤولين من رجال الحكومة الجزائرية - وخصوصًا في الأشهر الأخيرة- جملة تتردّد وتُعاد، حتى كادت تكون محورًا لتلك الخطب، أو لازمة لها كلوازم الحديث و "عكاكيزه"، من مثل: "صل على النبي" و"سيدي مرحوم الوالدين" في العربية الشرقية، أو مثل: « N'est-ce pas? Alors» (١) في الفرنسية.

هذه الجملة المردّدة هي "أن الجزائر فرنسية". وليس تاريخ ولادة هذه الجملة بالقديم، ولا هي من الجمل المألوفة لألسنة هؤلاء الخطباء، ولا لأسماع الجمهور الخاص الذي يسمعهم، وإنما هي بنت سنة أو سنتين على الأكثر.

ونحن نستغرب ترداد هذه الجملة المملولة في هذه الظروف، ونبحث عن العلة الداعية إليها، فلا يهدينا البحث إلا إلى شيء واحد، وهو الشك في منطوقها شكًّا خالط نفوس هؤلاء الخطباء في كون الجزائر فرنسية، أو ليست فرنسية، فهم يردّدون هذه الجملة اصطناعًا لليقين، وترويحًا على العاطفة، وترجيحًا للجانب الذي يهوونه؛ كما يُماري المماري في المعدوم فيقول: إنه موجود، وما درى هؤلاء أن ترديدهم لهذه الجملة في ظرف ذي خصائص وعوارض، يقذف الشك حتى في نفوس المستقيمين من سامعيهم، ويزرع الاحتمال في أذهانهم، لأن عدّها من بدوات اللسان، أو من تحصيل الحاصل الذي تصان عنه أقوال العقلاء، إنما يكون في أول سماع، أما إذا تكررت الجملة، ونبتت في موضعها من كل خطبة، وشهدت القرائن أنها مقصودة، فلا يكون الفهم المتبادر إلا ما ذكرنا من شك القائل، وتشكيك السامع.


* نشرت في العدد ١١١ من جريدة «البصائر»، ١٣ مارس سنة ١٩٥٠.
١) " N'est-ce pas? Alors" : جملة فرنسية معناها: أليس كذلك؟

<<  <  ج: ص:  >  >>