للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلمات واعظة لأبنائنا المعلمين الأحرار

- ٢ -

إنّ هذه الأمة- يا أبنائي- هي أمتنا، وهي رأس مالنا شئنا أو أبينا، وهي عوننا على العلم، وهي مدَدُنا وملاذنا، وهي نصرتنا ومعاذنا، وهي مناط قوتنا، ومظهر أعمالنا، فعلينا أن نراعي شعورها في غير واجب يترك، أو محرم يؤتى، وأن نسير بها إلى الغاية في رفق وأناة، لا أقول لكم: سايروها على الباطل، وجاروها في البدع، وواطئوها على الضلال، فذلك ميدان وقفنا فيه قبلكم موقف المنكر المتشدّد، ونازلنا أبطال الباطل حتى زلزلنا أقدامهم، ونكسنا أعلامهم، وقد أرحناكم ومهدنا لكم السبيل، وإنما حديثنا فيما دون ذلك، مما مرجعه العادة لا الدين، وسبيله العرف لا السنة، ودرجته الكمال لا الضرورة، ولنا في نبينا- صلى الله عليه وسلم- القدوة الحسنة، فقد كان يجاري العرف الجاري، ما لم يناقض عقيدة دينية أو حكمًا شرعيًّا، وإذا توقف إصلاح الأمة على هجر الشهوات، والإمساك عن بعض المباحات، فمن الواجب أن يقدم حظ الأمة على حظ النفس.

...

أنتم جنود العلم، ولكلمة "جندي" معنى يبعث الروعة، ويوحي بالاحترام، ويجلب الشرف، ويُغلي القيمة، لأنه في غاية معناه حارس مجد، وحافظ أمانة، وقيّم أمة، لذلك كان من واجبات الجندي الصبر على المكاره واللزبات، والثبات في الشدائد والأزمات، والسمع والطاعة فيما يغمض على الأذهان فهمه من العلل، ويعسر على العقول هضمه من الحكم؛ فإذا استرسل الجندي في الجزع والشكوى، أو خانه الصبر فلاذ بالضجر،- أخطأ النصر، وضاع الثغر، وإنما أنتم حراس دروب، ومرابطة ثغور، فاصبروا واثبتوا، وقد كفيناكم سداد الرأي، فهاتوا سداد الإرادة وسداد العمل.


* نشرت في العدد ١٣٣ من جريدة «البصائر»، ٢٣ أكتوبر سنة ١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>