وأنتم ممثلو جمعية العلماء في ناحية من أهم أعمالها، وهي التربية والتعليم، فكل واحد منكم صورة مصغرة من الجمعية في نظر الأمة، وجمعية العلماء هي رمز الدين الصحيح، وهي حارس الفضيلة الإسلامية، وهي المثال المفسر للحكمة المحمدية بأحسن تفسيراتها، وهي المثل المضروب في مقاومة الباطل والمبطلين، وهي مظهر القدوة الدينية اعتقادًا وعملًا؛ فهي- لذلك كله- ملءُ سمع الأمة وبصرها، وهي الأريج المتضوّع بسمعة الجزائر في العالم الإسلامي، فكونوا- في مظهركم ومخبركم- أمثلةً صحيحةً منها، واعلموا أن كل زلة منكم- وإن صغرت- محسوبةٌ على جمعية العلماء، منسوبةٌ إليها.
وفي وطنكم موجة من الإلحاد، جاءت في ركاب الثقافة الغربية، ومكن لها القصد الصحيح من غايات الاستعمار، ومهد لها في نفوس هذا الجيل جهله بحقائق الإسلام، وضعف صلته بالله، وإنّ تساهلكم في إقامة شعائر الدين، أو استخفافكم بأحكامه، معين على تفشي الإلحاد في الجيل الجديد الذي تقومون على تربيته، فاحذروا الظهور بمظهر المستخف بالدين، ولو في فلتات اللسان، فإن لكل فلتة ولكل كلمة تصدر منكم أثرًا في نفوس تلاميذكم؛ لأنكم محل القدوة عندهم، ولأن زمنهم يتبرع بالباقي، فإذا وجد العون منكم كان أجود بالشر من الريح المرسلة.
وفي زمنكم عارض من انحلال الأخلاق، بعض أسبابه في الواجدين الاسترسال في الشهوات، وبعض أسبابه في المعدمين التشوّف إليها، وأكبر أسبابه في الجميع الاستعمار وأساليبه في علاج المرض بالموت، وغسل النجيع بالرجيع، فعالجوا هذا الداء قبل حلوله في نفوس الصغار بتقوية العزائم والإرادات فيهم، وبتعويدهم الصوم عن الشهوات، وبتحبيب العمل إليهم، حتى إذا انتهوا إلى الحياة العملية اقتحموا ميادينها بنفوس غير نفوسنا، وهمم غير هممنا، وعزائم غير عزائمنا، وإرادات غير إراداتنا، وقدرة على كبح الغرائز الشهوانية غير قدرتنا.
أنتم حراس هذا الجيل الجديد، والمؤتمنون عليه، والقوّامون على بنائه، وأنتم بناة عقوله ونفوسه، فابنوا عقوله على أساس من الحقيقة. وابنوا نفوسه على صخرة من الفضائل الإنسانية، وأشربوه عرفان قيمتها؛ فإن من لم يعرف قيمة الثمين أضاعه؛ وقد غبنت هذه القيم في عصركم فكان ما ترون من فوضى واختلاط.
ربوهم على ما ينفعهم وينفع الوطن بهم، فهم أمانة الوطن عندكم، وودائع الأمة بين أيديكم.
ربوهم على التحابّ في الخير، والتآخي في الحق، والتعاون على الإحسان، والصبر إلا على الضيم، والإقدام إلا على الشر، والإيثار إلا بالشرف، والتسامح إلا في الكرامة.