للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل الدين عن الحكومة (٨)]

فصل الحكومة عن الدين *

ــ

- ١ -

... وما هي هذه المسيحية المستظلة بلواء الاستعمار في وطننا؟ وأي جامع جمع بينهما؟ آلخير أم الشر؟ وهل تعمل منفصلة عنه، أو مؤتمرة بأمره؟ وماذا صنعت في قضية الإسلام مع الاستعمار في الجزائر؟ وهل أمرتْ بمعروف أو نهتْ عن منكر في هذه القضية كما هو شأن الأديان السماوية الصحيحة النسبة إلى السماء، التي لا تختلف في معنى المعروف والمنكر؟

أسئلة غير متناسقة، نرسلها إرسال من لا يريد عنها جوابًا، لأن أجوبتها تُنتزع من الواقع الذي يشهده كل واحد، فلا يجهله واحد.

وإنما نقول تمهيدًا لكلام يجول في الخواطر: إن هذه هي مسيحية أوروبا المادية التي قطعتْ (روما) صلتها بروحانية الشرق، وجفّفتها من مائيته، واتخذها الطغاة سلمًا إلى الملك والتسلط، ثم لعبت بها تصاريف الدهر حتى زاحمت الماديين على مادتهم فتنكّروا لها ثم أنكروها، وضايقت العقل في تفكيره فكفر بها، وتنورها العلم فلم يجد على نارها هدى؛ فلما طغت عليها مذاهب العقل في أوروبا، وضاقت بها مسالك الفكر، ولم تساوقها وسائل الحضارة من علم وسياسة واقتصاد وفن واجتماع، قفزت إلى أوطان غير أوطانها، ووقعت قي منابت غير منابتها، للتبشير بالمسيح ودينه، بين أقوام يعرفون المسيح ويؤمنون به ويعتقدون فيه الحقّ، وتوسلتْ إلى غايتها بالاستعمار الذي يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، فقطعتْ معه البحار، وأوغلت معه في البراري والقفار، تخدم ركابه، وتصل بأسبابها أسبابه، وتستجديه الحماية والرعاية، لتسترجع هنا ما فقدته هناك، ولتربح هنا ما خسرته هناك، ولكنها بعد بذل الجهود، وتوطيد المهود، باءت بالفشل، وعند الراهب "زويمر" وخلفائه الخبر اليقين ...


* نُشرت في العدد ١٠٦ من جريدة «البصائر»، ٦ فيفري سنة ١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>