للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحياء التعليم المسجدي بمدينة قسنطينة*

(إعداد المركز، برنامج أربع سنوات، تعيين المشائخ والمدرّسين، الارتباط بجامع الزيتونة)

ــ

أجمعت جمعية العلماء أمرها وصمّمت على إحياء تلك السنة التي سنها إمام النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس- رحمه الله-. وهي التعليم المسجدي. ونعني بالتعليم المسجدي ذلك التعليم الذي تلتزم فيه كتب معيّنة في العلوم الدينية من تفسير وحديث وفقه وأصول وأخلاق. والعلوم اللسانية من قواعد ولغة وأدب. والعلوم الخادمة للدين من تاريخ وحساب وغيرهما، ويقوم به مشائخ مقتدرون في تلك العلوم محسنون لتعليمها، ونسمّيه مسجديًا لأنه كان من فجر الإسلام إلى الآن وما زال يلقى في المساجد. وما زالت تقوم به من غير انقطاع ثلاثة من أقدم مساجدنا وأعظمها، الأزهر والزيتونة والقرويين، على تفاوت بينها في التوسع والنظام والكتب والأسلوب. وهذا التعليم ضروري للأمّة الإسلامية في حياتها الدينية لأنها مفتقرة دائمًا إلى من يفتيها في النوازل اليومية ويبيّن لها أحكام الحلال والحرام. وما بقي الإسلام محفوظًا إلا بهذا النوع من التعليم الذي من أصوله تفسير القرآن والحديث النبوي. وإذا كنا نشهد ضعف هذا التعليم وركوده وعقمه في هذه الأزمنة المتأخرة فما هي إلا من عوارض جاءته من سوء الاختيار للكتب، أو فساد الأسلوب في التأدية أو من قصور الملكة في المدرس أو من ذلك جميعًا، ثم تأصل بمرور الزمن. والضعف دائمًا يجرّ بعضه إلى بعضه.

وقد شعرت معاهدنا المذكورة منذ سنوات بهذه النقائص فاجتهدت في إصلاحها وتكميلها. وعملت على سدّ الخلل وتوسيع الدائرة ومجاراة الزمن وسنراها عما قريب واصلة إلى الغاية إن شاء الله، فتخرج لنا فرسان منابر يهدون هذه الجماهير المتثائبة، وأعلام أدب


* "البصائر"، العدد ٧، السنة الأولى من السلسلة الثانية، ١٩ سبتمبر ١٩٤٧م.

<<  <  ج: ص:  >  >>