للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحرّكون هذه المشاعر المخدّرة، وعلماء استنباط يحلّون هذه المشكلات الحيوية التي عاقت الأمم الإسلامية عن مجاراة السابقين في الحياة.

أما الجزائر فقد بدأت في نهضتها القائمة بهذا النوع من التعليم وقام إمامها الشيخ عبد الحميد بن باديس في ذلك المقام المحمود فسلخ من عمره خمسًا وعشرين سنة على التعليم الحي المثمر المنظم. وتخرّج من دروسه جيل كامل هو عماد النهضة اليوم بما أعده للحياة وهيّأه للقيادة. وان الكثيرين من تلامذته هم اليوم، المجلون في ميدان التعليم المكتبي الذي تقوم به جمعية العلماء، وقد كان- رحمه الله- يرمي بتعليمه مع تحصيل العلم إلى ثمرات العلم ويرمي إلى أشياء كان يقصدها قصدًا ويلحّ فيها إلحاحًا، منها تقوية الإرادة والعزيمة في تلاميذه، فكان يفيض عليهم من روحه القوية فيضًا مِن القوة يعدهم بها للعمل في أمّة مفتقرة إلى العاملين.

ولما مات الأستاذ- رحمه الله- اضطلعت جمعية العلماء بذلك التعليم وأسندته إلى الكفء المجمع على كفاءته في هذا الباب وهو الشيخ العربي التبسي ونقلت مركزه من قسنطينة إلى تبسة نقلًا مؤقتًا نزولًا على حكم الضرورة، فقام الأستاذ التبسي وأعوانه خير قيام بما أسند إليهم، ثم جاءت الحوادث المحزنة فطوي البساط بما فيه. كان من آثار ذلك التعليم المثمر الذي دام سنوات في تبسة ومن آثار ما تقوم به جمعية العلماء من مرغبات في العلم وأعمال جليلة في التعليم المكتبي أن لجّت الرغبة بشباب الأمّة في الاندفاع إلى العلم والرحلة في طلبه حيث ما كان. فرحلت المئات منهم إلى جامع الزيتونة والعشرات إلى القرويين وأبعد القليل منهم النجعة فرحل إلى القاهرة. وقد أنساهم الحرص ما يجب للرحلة من احتياطات فوقع الكثير منهم في المحذور.

وجمعية العلماء- وهي التى أنشأت هذه الرغبة المتأججة في نفوس الشباب- لا تلومهم ولا تثبطهم على هذا الاندفاع، وإنما ترى أن الرحلة وقطع آلاف الأميال في سبيل التعليم الابتدائي ليست من العقل ولا من السداد. وما دامت معاهدنا الثلاثة كليات فالواجب أن لا يرحل إليها إلا من استكمل التعليم الابتدائي في وطنه وقطع مراحله في مكاتبه أو مدارسه أو زواياه واستعد للتعليم الثانوي، فهناك تحسن به الرحلة وتكون لها فائدة، وهذا واجب تشترك فيه الأمّة والجمعية والطلبة.

أما جمعية العلماء فلا تدّعي أنها تقوم بواجبها كاملًا في هذه السنة وحسبها أنها فكّرت وقدّرت وأنها تبتدئ في هذه السنة بتحقيق بعض الواجب. أما الواجب الكامل فلا تستطيع تأديته إلا يوم يتيسّر لها فتح معهد في تلمسان وآخر في الجزائر وثالث في قسنطينة. وقد وُضعت الخطط والبرامج لذلك كله. والعقبة الكأداء في سبيلها هي المال والأماكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>