للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهد عبد الحميد بن باديس:

ما له وما عليه *

أخذت القلم لأكتب كلمة عن المعهد في هذا العدد الخاص به من "البصائر" فاستعرضت ماضيه منذ كان فكرة إلى أن أصبح حقيقة مبصرة، فرجع الصدى

قريبًا لقرب العهد كما ترجع ومضة "الرادار" حين تصطدم بجسم في فراغ الأثير. ثم استعرضت مستقبله فمثّلته الخواطر آمالًا كلها حلاوة وطيب، وغايات كلها نسيم بليل وزهر رطيب، وانفتحت آفاقه عن مثل رونق الضحى وإشراق الأصيل. فتفتحت نفسي للكتابة وهممت- على كلال الذهن والجوارح- أن أكتبها في نفس، وقلت لتكونن كلمة ذات أثر، تملأ السمع والبصر. ولأثأرن بها لنفسي من العوائق التي رمت طبعي بالجفاف وقريحتي بالركود. ولكن نفسي وقفت موقف الرقيب، بين المحب والحبيب، وأبت إلا أن أكتب عليها ... قلت لها إن هذا ليس لي ولا لك بعادة. وأنا امرؤ- كما تعلمين- ركب في طباعي نوع من الخمول والزهد في كل ما يتعلق بك. وأشهد كما تشهدين- أنه ليس من الخمول المصطنع ولا من الزهد المكتسب وإنما هو نوع لا ثواب فيه ولا محمدة، كالطول في الطويل، والسواد في الأسود، والبلادة في الجمل. فلجت في التعرض، فقاطعتها بكتابة كلمات صادقة عن الشيخين اللذين يقوم المعهد على اسميهما: ابن عاشور وابن باديس ولكنها لم تقنع وشوّشت كل ما في ذهني من صور جميلة وأخيلة بارعة لمستقبل المعهد، وطال اللجاج حتى خشيت أن أفوّت على العدد الخاص ميقاته. ومن عادتي في هذه الكلمات التي أفتتح بها أعداد "البصائر" أن أكتبها- في الغالب- في النصف الأخير من آخر


* "البصائر"، العدد ٤٤، السنة الأولى من السلسلة الثانية، ٢١ جوان ١٩٤٨م.

<<  <  ج: ص:  >  >>