للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محنة مصر محنتنا *

تعاني مصر العزيزة هذه الأيام، ما يعانيه الحرّ الأبيّ، أُكره على الضيم، وأريد على ما لا يريد، وجُرّع السمّ مدُوفًا في الحنظل، وقطعت أوصاله وهو يشعر، واستبيحت محارمه وهو يسمع ويبصر، حتى إذا استيأس من الإنصاف ونفد صبره، خطا الخطوة الفاصلة، وأقدم على تحطيم القيد بنفسه، وعلى تمزيق الصحيفة التي أملتها القوّة على الضعف، فقبلها مكرهًا كمختار، وكانت أهون الشرّين، فأصبحت- بحكم الزمان- أثقل الخطبين.

...

صمّمت مصر على حلّ العقدة التي عقدها السيف يوم التلّ الكبير، وأحكم المكر عقدها بعد ذلك في سلسلة من الأعوام بلغت السبعين، صاحبتها سلاسل من الأحداث والأسباب المصطنعة، زادت العُقَد تأرّبًا واستحكامًا، وسلاسل من الوعود المنوّمة تكرّرت فتُأُلفت ففقدت التأثير، وفتحت مصر عينيها على أفظع ما تُفتح عليه العيون: تغرم ليغنم الإنكليز، وتجوع ليشبع الإنكليز، وتموت ليحيا الإنكليز، وينهدم مجدها ليبنى بأنقاضه مجد الإمبراطورية الإنكليزية، ويفرض عليها أن تعيش غريبة في وطنها، وأن تعاون على طمس حضارتها ومسخ عقليتها، والانسلاخ من شرقيتها، والنسيان لماضيها، وأن تنتبذ من أهلها مكانًا غربيًّا ... وأن تجفّف ماء النيل لتفهق به مشارع (التاميز) ...

...


* نُشرت في العدد ١٧٤ من جريدة «البصائر»، ٥ نوفمبر سنة ١٩٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>