للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أثر الأزهر في النهضة المصرية *

... والنهضات أولها ثورة، وآخرها ثورة، فكان الأشبه أن أقول: أثر الأزهر في الثورات المصرية، لأن الأزهر حقيق عليه أن يعلّم الناس الثورات على الأباطيل في الدين والدنيا، ولأن الأزهر ساهم بالفعل في الثورات المتتابعة في مصر على الحاكمين من الأمراء المفسدين، وعلى المتحكّمين من المستعمرين الغاصبين؛ ولعمر الحق إذا لم يكن الأزهر معهدًا لتعليم الثورات على الشر، وميدانًا لتنظيم الثورات على أهل الشر، فماذا عسى أن يكون؟

ويزيد من حلاوة الحديث عن أثر الأزهر في الثورات المصرية، أن في مصر الآن ثورة على "جريمة هذا العصر"- وهي الاستعمار- نرجو أن تزيد اشتعالًا حتى تقطع دابره منها، فيكون ذلك إيذانًا من الله بقطع دابره من جميع الأقطار، فإن هذه الثورات لا تُحمد مباديها حتى تحمد خواتمُها: فإذا بدأت فائرة، ثم ختمت فاترة أعطت لخصومنا الحجة علينا، وجرّأتهم على الاستخفاف بنا، والإمعان في استعبادنا، والاطمئنان إلى أمن العواقب.

ولقد كان الأزهر في أدوار فساد الحكم في مصر، أو في فترات إغارة الفاتحين الأجانب عليها من "سان لويس" إلى "نابليون"- هو المئذنة التي يستشرف الناس إلى سماع كلمة الحق منها، فإذا قالها كانت الفاصلة؛ ولقد قالها جماعة من أئمته لا يحصون في أزمات أشد من هذه الأزمة الحاضرة وأحدّ، فكان لها الوقع الحاسم في النفوس، والتأثير البليغ في الأفكار- قالها سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام في قضية المماليك الأمراء حين طغوا وبغوا، فحكم عليهم ببيع رقابهم، لأنها مملوكة لبيت مال المسلمين، قالها فقوّم بها وضعًا


* نشرت في العدد ١٧٨ - ١٧٩ من جريدة «البصائر»، جانفي سنة ١٩٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>