للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل الدين عن الحكومة

- ٤ - *

... ونظرنا نظر المستقلّ، الذي يبني أحكامه على الواقع المحسوس، فوجدنا هذا الوليد الناقص الذي يسمّونه الدستور الجزائري لم يشرّع جديدًا، ولم يزرع مفيدًا، ولم يزد على أن نقل هذه القضية من ميدان إلى ميدان، ومن يد إلى يد، نقلها من فرنسا إلى الجزائر، ومن برلمان يسيطر على الأفراد، إلى شبه برلمان يسيطر عليه فرد ... ليدفع الغضاضة عن فرنسا اللائكية، ويلصقها بفرنسا (المسلمة) التي تتمسّك من الإسلام بمعابده ورجاله، وتعرف كيف تسيره وتسيرهم. فكأنه يقول لحكومة الجزائر: لنتُ قليلًا فاشتدي، ورضيت قليلًا فاحتدي، وتركت لك ما إن عملت به لن تضلي من بعدي، ولم أضع لك قانونًا بل شبكة كلها خروق، فاخرجي من أيها شئت ... وكأنه يقول لها "بدأت فتممي" وخصصت فعمّمي، وصدعت الحائط فرمّمي، وتساهلت فصمّمي، وأشرت بالترياق وأنت ... فسمّمي، وجملت الوجه قليلًا فدمّمي، وقالوا إن فرنسا تغضب الإسلام، فأقيمي الدليل على أن المسلمين راضون، وشدّدي اللام من صفتهم فإذا هم "مسلِّمون". ففهمت حكومة الجزائر هذه الإشارة، وتلقتها كأنها بشارة؛ وكيف لا تستبشر؟ والدستور برمّته (لامركزية) من النوع الذي يسيل عليه لعابها، وبنود القضية الدينية منه إطلاق ليدها في التصرف المطلق، لذلك فهي قد فهمت من الدستور أشياء غير ما فهم الناس، ولذلك قامت بالتنفيذ على حسب مفهومها لا على حسب فهم الناس، فبدأت بالمجلس الجزائري فصاغته على ما يوافق هواها، وظفرت منه بمفرد يأتي بجمع، ولها من ورائه مدد من (رجال الدين)، وعدد من المرتزقة المجنّدين، وبدد من الظلمة المعتدين، وأوزاع من العوام غير المهتدين، وأشياع من الزملاء (المنتدين) (١)، فإذا اتحد هؤلاء بهؤلاء اتحادًا كيماويًّا تمّ المطلوب،


* نشرت في العدد ٨٨ من جريدة «البصائر»، ٢٥ جويلية ١٩٤٩.
١) المنتدون في اصطلاحنا هم كل من دخل "النادي الفرنسي الإسلامي". وهو نادٍ أنشأته حكومة الجزائر وزوّدته بمال ورجال وبرامج للاصطياد والتنويم والتلفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>