للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذا القائل: لو كنت تعرف ما تقول عذرناك، ولو كنت تعرف ما نقول عذرتنا في الإبداء والإعادة. فقد بُلينا بحكومةٍ جُمع فيها كل ما تفرّق في غيرها ... وقد بلوناها في جميع حالاتها وألوانها، فإذا هي هي، تُغطّي الشمس بالغربال، وتطاول العماليق بالتنبال، وترصد لكل كلمة من الحق كلمات من الباطل تنسخها أو تمسخها، ولكل صوت من الخير أصواتًا من الشر تشوشه أو تلغو فيه، ولكل صلاة إلى الله مُكاء وتصدية من الشيطان، ولكل داع إلى الجنة دعاة إلى أبواب جهنّم، ولكل مطالب بتحرير المساجد مطالبين بإبقائها في العبودية، وقد رصدت قبل ذلك لكل مطلق في قوانينها قيودًا وسلاسل وأغلالًا، فلا يطمع الطامع في فتح باب إلا أوجدت له قفلًا ...

وما الدستور الجزائري الأبتر إلا أحبولة من تلك الأحابيل، وما المجلس الجزائري إلا سليل للمسلول، فإذا كان الدستور قد جعل فصل الدين الإسلامي عن الحكومة الجزائرية أحد بنوده، فقد أيّد حكومة الجزائر من المجلس الجزائري بأحد جنوده، وحكومة الجزائر لا تريد الفصل، ولن تريده، ولا ترضاه، ولا ترضى على من يرضاه؛ والدستور حكم بالفصل، ولكنه وكل تنفيذه إلى هذا المجلس الذي صنعته الحكومة بيدها، ونفخت فيه من روحها، ومعنى ذلك أن الدستور ترك للحكومة منفذًا تستطيع هي بأساليبها أن تجعل منه بابًا واسعًا، وقد فعلت ...

...

ونحن نعلم أن المسألة من أولها إلى آخرها سفسطة وتضليل، ولا ندري كيف يتأتى لهذا المجلس المصنوع، المحدود السلطة، المقصور على الماليات، أن ينفّذ قضية ليس المال إلا جانبًا من جوانبها الكثيرة، ومعظم الجوانب خارجة عن دائرة نفوذه. وهبْ أنه اتسع نظره للأوقاف الإسلامية، فماذا يصنع في الجوانب الأخرى؟ أيبقي ما كان على ما كان؟

وكنا نرجو أن يكون المجلس أكمل من الدستور، ينتخب أعضاؤه انتخابًا حرًّا، وتظهر فيه النيابة عن الأمة بمظهرها الحقيقي، ويكون النوّاب نوّابًا حقيقيين يؤثرون مصلحة الأمة على مصلحة الحكومة، ولو وقع ذلك لكانت جمعية العلماء أول المطمئنين إلى أعمال النوَّاب في مطالبها الدينية، كيفما كانت أعمالهم الأخرى.

وقد مرّت على هذا المجلس سنتان، وعرفنا من أعماله وبرامجه اليد التي توجّهه والريح التي تسيّره، والجهة التي يتّجه إليها، وصدق كل ما قلناه فيه، وأن عسى أن يهبط عليه الوحي في لحظة فيتناول مسألة فصل الدين الإسلامي بآراء مسيحية، وأفكار لائكية، وعقول بين ذلك ... ثم ينتخب لدراسة الموضوع مقررين مسيحيين أو لائكيين أو ما شاء الهوى ... ويا ضيعة الإسلام بين الأهواء!

<<  <  ج: ص:  >  >>