للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون اختصاصه بالنزكين مرتبطًا باختصاصه بالعرسين، وزاد في الحيرة أن في غيره من الحيوان بما فيه الإنسان من له أكثر من عرس، وذكر الحمام والدجاج يسافد العشرات من إناثها، وليس لجميعها إلا نزك أو ذكر واحد، وما دمنا لم نجرّب ولم ندرس دراسة استقراء. فلنقل ما قالته العرب إنها خصوصية أو فضيلة، ومن أحبّ شيئًا نحله ما شاء من الكمالات، ثم قرأت في بعضِ كتب اللغة: أن ذكر الضب يسمّى نزكًا، وأن لكل ضبّ نزكين وأن فرج أنثاه يسمّى قُرْنة، ولأنثى الضب قرنتان، فإن صحّ هذا ظهرت الحكمة في النزكين.

((فصل))

ولما ذكرناه من علاقة العرب بالضبّ سمّوا به على عاداتهم في التسمية بالأشجار والنبات والأحجار والحيوان، ولهذه الأسماء العربية المنقولة من أسماء الجماد والنبات والحيوان فلسفة خاصة كنت أمليت فيها دروسًا عديدة على تلامذة دار الحديث بتلمسان في ١٣٥٧هـ، وكتبها عنّي التلاميذ وجعلتُها مقدّمة لدرس أنساب العرب، وقد سئل بعض العرب، ما لكم تسمّون أبناءكم بأسماء قبيحة جافية، وتسمّون عبيدكم بأسماء حسنة كسرور ورباح؟ فأجاب العربي: إننا نسمّي عبيدنا لأنفسنا، أما أبناؤنا فهم لعدوّنا. يعني أن العبيد للخدمة والمهن المنزلية أو للقيام على الماشية، وكلها سلم واطمئنان، فكان المناسب هذه الأسماء المفرحة التي تجري مجرى الفأل.

وأما الأبناء فمرمى العرب من كثرة النسل الاعتزاز بهم والاعتماد عليهم في الغارات والانتصاف من الأعداء، وأليق الأسماء بهذه المواقف: "جندل" و "نهشل" و "صخر" و "ليث" و "فهد" و "عوسجة" و "حرب" لأنها تثير في نفوس الأعداء خيالات من معانيها، ومن الغريب أن العرب لم تُسَمِّ ضبًّا بلفظ المذكّر إلا قليلًا، وأغلب ما سمّت به ضبة بلفظ المؤنث وهو علم على عدة قبائل يطلقون عليها الضباب.

ومن أشهر من تسمّى بهذا الاسم ضبة بن أذ بن طابخة وهي قبيلة مشهورة يعدّها النسّابون الجمرة الثالثة من جمرات العرب، وجمرات العرب هي قبائل استقلّت ولم تحالف غيرها لعزّها ومنعتها، ولفظها مأخوذ من التجمّر، وهو التجمّع، وهذه الجمرات هي نمير بن عامر وضبة بن أدّ والحارث بن كعب، ويقول علماء النسب إن الجمرتين الأخيرتين انطفأتا بالمحالفة لأن ضبة بن أد حالفت الرباب والحارث بن كعب حالفت مذحج، وبقيت نمير بن عامر جمرة متّقدة لم تحالف أحدًا إلى أن جاء الإسلام، وكما تسمّى هذه القبائل جمرات تسمّى جمارًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>