للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إضراب التلامذة الزيتونيين *

ما زلنا نربأ بجامعاتنا- أو جوامعنا- التاريخية أن تبقى جاريةً على التقليد البالي في مناهجها وكتبها، وأن ترضَى لنفسها هذا الجفافَ في الزمان الممرع، وهذا التمطّي في العصر المسرع، وما زلنا نرجو لها- مخلصين- إصلاحًا شاملًا، يعقبه صلاح كامل. يبتدئ ذلك الإصلاح من الكتب، وينتهي إلى العقول، ويجرف ما بين الطرفين من أوضاع من النظم بالية، وأوساخ على الأذهان عالية، أثبتها الإلف لا الفائدة، وزيّنها النقص لا الكمال، وبين البدء والختم مجالات سيفعل الإصلاح فيها فعله، ويأخذ مأخذه.

وإن لنا في هذا الإصلاح لآراءً جريئة، أوحى بها إلينا حالُ الأمم الإسلامية بين الأمم، وصقلتها التجارب المتكررة في وسائل الإصلاح، ونحن نتربّص بنشرها أوقاتها المقتضية، ما دام عصرنا يتسم بالنفاق، وبعد المجاملة من أصول الأدب، والرياء من حسن الذوق وجمال السلوك، ولو نشرناها اليوم لأثرنا ثائرة، وأسعرنا نائرة، وأغضبنا أقوامًا شاء لنا ولهم الهوى أن نتنادَم على بساط ذلك النفاق، ولو خلع هذا العصر لبوسه وزايلتْه سماته، لأرانا أنّ نهاية ما يرجوه الراجون ويطلبه الطالبون من الإصلاح هي بداية الإصلاح الحقيقي الذي نراه ونقول به.

وكأنّ أبناءنا الزيتونيين- نصرهم الله ونضر وجوههم- أرادوا بثورتهم الحاضرة أن يختصروا هذه الفترة المنافقة، وأن يقرِّبوا منّا الزمن الصالح لنشر هذه الآراء، وإنّ لهذا الأمر لعاقبةً هذا نذيرها، فإذا لم نقدم عليها طائعين أُرغمنا عليها مكرَهين.

ونحن- حين نشكر أبناءَنا- نرى أن شطرَ الشكر يرجع إلى هذا التقريب الذي نخرج به من تبعة كتمان الحق، لأن النصيحة إذا تأخرتْ عن ميقاتها أصبحت غشًّا، ومن أظلم ممن غشّ نفسه وأمّته؟


* نشرت في العدد ١١٨ من جريدة «البصائر»، ١ ماي سنة ١٩٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>