للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها

موقفها من السياسة والساسة *

ــ

[- ٢ -]

للسياسة في جميع بلاد الله وعند جميع خلقه معنىً محدودٌ قارٌّ في حيزه من الإدراك، إلا في هذا البلد وعند حكومته الاستعمارية وساسته المقلدين، فإن معناها غير

محدود ولا مستقرّ، يتسع إلى أقصى حدود الاتساع، فيحمل ما قارب وما باعد، وما جانس وما خالف، وما اطّرد وما شذَّ، ويضيق إلى أقصى حدود الضيق، فتلتوي مسالكه، وتنسدّ مجاريه، وتتهافتُ أقيسته، ولا يتبين فيه مورد من مصدر، كل ذلك بالتبع لأهواء الاستعمار المتباينة، وأهويته المتناوحة، والاستعمار كله رجسٌ من عمل الشيطان، فغيرُ غريب أن يكون من خصائصه تغيير الأوضاع والمعاني، ليصحح لنفسه الألوهيّة المزوّرة ولو إلى حين.

على أن معنى السياسة عندنا- في تردده بين طرفي السعة والضيق- يتسفّل دائمًا ولا يعلو، ويتبذل أبدًا ولا يسمو، ويوشك هذا اللفظ بسوء تصريف الاستعمار له أن يصبح بلا معنى كالألفاظ المهملة، وكما جازف الاستعمارُ قبل اليوم بكلمة "عدو فرنسا" يرمي بها قي غير هدف، ويسم بها كل مَن هبّ ودبّ، فكان من آثار ذلك أن نبه الناس إلى عداوة فرنسا، وفتح لهم بما يردّد من لفظها، وبما يُبدع من أسبابها، أبوابًا وطرائق، كذلك جازف بكلمة السياسة، يرمي بها حتى المصلين والحجاج، فكان من آثار ذلك أن غمرت الناس هذه الموجة المكتسحة من السياسة، ولا يجني الظالم إلا على نفسه، وإذا أراد الله بأمة خيرًا جعل يقظتها على أيدي أعدائها.

أما إن السياسة تكون خيرًا لأقوام، وشرًّا لآخرين، وتكون عقود حلية كما تكون عُقَدَ خنق، فهذا ما قرأناه في قاموس الاستعمار وعلمناه من مذاهبه، وهو- على علاته- مقبول،


* نشرت في العدد ٣ من جريدة «البصائر»، ٨ أوت سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>