للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقفت من الحضارة الغربية موقف المحترس الحذر، تدعو إلى ما فيها من علم وقوّة، وتنهى عما فيها من قشور وتوافه ورذائل.

كل هذه المواقف- ومثلها معها- وقفتها "البصائر" حتى استولت على أمد السبق في الشهرة، وانتزعت الاحترام لها والإعجاب بها، واستردت للجزائر ما كانت مغبونة فيه من حسن السمعة، وهي لا ترجو من وراء ذلك عوضًا ولا تسجل منة، وإنما هي في كل ذلك مؤدية لواجب، قائمة بحق.

إن مواقف "البصائر" هي مواقف جمعية العلماء لأنها لسان حالها، وترجمان أفكارها، وكل ما فيها من حسنات فهي من حسنات جمعية العلماء.

[قضية فصل الدين عن الحكومة]

هذه القضية هي أعضل ما تعانيه جمعية العلماء من القضايا، وأشدها مراسًا، وأكثرها تشعبًا وتعقيدًا، لأنها تقع من الاستعمار في المواقع الحساسة، فهي- في حقيقتها- صراع بين الحق والمصلحة، وأعقد ما تكون القضايا إذا جالت في هذا المجال، وتنازعها هذان العاملان: الحق ببرهانه، والهوى بطغيانه، وقضيتنا هذه من هذا القبيل، يصطرع فيها جهد جبار من جهتنا، وجهد جبار من جهة الحكومة، ويقوي جهدنا فيها أن من ورائه حقًا طبيعيا، وأمة كاملة تطالب به، وروحًا عالمية نزاعة إلى الحق من حيث انه حق، ومستقبلًا يسعى للتجرد من لبوس الماضي، ويقوي جهد الحكومة أن من ورائه مالًا وسلطة، وقصدًا جوهريًّا للاستعمار، وغاية له في إفساد معنويات الشعب الجزائري قد بلغها أو كاد.

ونحن نرى- حين نطالب ونشتد- أن الأمة الجزائرية المسلمة كلها من ورائنا متوافية على قصد واحد، وهو تحرير دينها، لا تختلف علينا في هذا إلّا طائفة قليلة العدد، أَذَلَّ الطمع أعناقها، وأوهمها أن في يد الحكومة أرزاقها، وبلغ بها فساد الفطرة أن أصبحت آلات لهدم هذا الدين، وعونًا عليه للمعتدين، وهذه الطائفة لا تخلو منها أمة ولا عصر، وكأن وجودها شيء من أمر الله يغر به المبطلين ويثبت به أهل الحق.

أما الاستعمار فهو يرى أن وجود هذه الطائفة- التي أوجدها بيده- هو بعض الشواهد على باطله، وأنها كافية لتصيير ذلك الباطل حقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>