عصابة قليلة العدد في الجزائر قامت بمكرمة عرفت عند العرب فأحيت الموءودة ... أحيت البيان العربي في ألسنة أدارها الاستعمار على رطانات غريبة ومكن لها فيها، ليسقط الضاد من مخارجها، وأنها أرجعت طائفة من أبناء العروبة إلى حظيرة العروبة.
ووقفت من قضية فلسطين موقف المجاهد المستبسل الكرار وأتت في القضية بما لم تأته صحيفة عربية، وجلت من وجوه الرأي الصريح ما لم يجله مفكر عربي، وسددت سهام النقد إلى المتخاذلين من قادة العرب، فكشفت دخائلهم وقبحت سيرهم وأعمالهم وانخداعهم لدسائس أوروبا وأحيت معهم سنن السلف الناصحين من نصيحة صادعة، وكلمة حق قارعة، وقالت لهم ما يغضبهم ولكنه يرضي الله.
ووقفت مع المغرب الأقصى في محنته الأخيرة موقف الأخ الصادق الأخوة يظاهر ويناصر وكأنه يحامي عن داره، لا عن دار جاره، وحملت على الاستعمار وعلى أنصاره الحاطبين في حبله حملات شعواء أقلقت باله وأَقَضَّتْ مضجعه، فلم ينعم له صباح، حتى منع رواجها بالمغرب، وأوصد دونها أبوابه.
ووقفت من الشاب المسلم الجزائري موقف الأب المرشد الناصح المشفق تدعوه إلى تعاليم دينه، وبيان لغته، ومعرفة تاريخه، والمحافظة على ميراثه الجنسي وخصائصه وأخلاقه، وأن يفهم الحياة ويواجهها بحقائقها، وأن يجمع شمله على الشبيبة وحب الوطن ونفعه، وأن يزاحم الأجنبي في علمه وعمله بالمنكب القوي، وأن لا يكون فارغًا في هذا الزمان الملآن، ولا عابثًا في هذا العصر الجاد، وأن يكاثر شباب العالم علمًا بعلم وعملًا بعمل، وأن يتجه إلى سمت، ويعمل له في صمت، وأن يعمل بدستور شوقي للشباب:
هَلْ علمتم أمة في جهلها ... ظهرت في المجد حسناء الرداء
باطن الأمة من ظاهرها ... إنما السائل من لون الاناء
فخذوا العلم على أعلامه ... واطلبوا الحكمة عند الحكماء
واحكموا الدنيا بسلطان فما ... خلقت نضرتها للضعفاء
وَاقْرَأوا تاريخم واحتفظوا ... بفصيح جاءكم من فصحاء
وأما والله لو أن شبابنا كانوا على حظ من فهم لغتهم، وكانوا يقرأون "البصائر" لما تفرق لهم شمل، ولا ضل بهم سبيل، ولتلاقوا على حب دينهم وهوى وطنهم.
ووقفت من الشرق موقف المتعصب لأمجاده، الناشر لروحانيته وحكمه وفضائله، المردد لأصدائه وأصواته، الفاخر بأبطاله في الحرب، وعباقرته في العلم، ودهاته في السياسة، المثبت لإمامته للغرب وسيادته عليه.