للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بها المحافل العلمية والأدبية التي اتصلت بها، وانهالت على إدارتها رسائل الإعجاب والتقدير من أئمة الكلام وحملة الأقلام، واعتبروها نموذجًا فنيًّا راقيًا، ثم دخلت الشرق الإسلامي فتفتحت لها القلوب المؤمنة، وتهللت لها وجوه المسلمين وعدوها لسانًا من ألسنة الإسلام، نطق حين أجرت المطامع الألسنة، وسيف من سيوف الإسلام انتضى حين أغمدت الرغبة والرهبة سيوفه، ودخلت النوادي العربية في الأميركتين فكانت سفيرًا موفق السفارة بين الجزائر وبين أبناء العروبة في تلك البلاد التي حيزت إليها الدنيا بحذافيرها، وزويت لها الأرض من أطرافها، وأَعْدَتْ كل داخل إليها بجنون المادة فكانت "البصائر" هناك قبسًا من روحانية الشرق ودعوة محبوبة إليه، تتداول الأيدي العدد الواحد منها حتى يبلى، ولو أن الناس هناك كانوا يقرأون العربية لأحدثت انقلابًا يكون مآله الرجوع إلى أحكام الروح.

ثم دخلت أوروبا وتغلغلت إلى أقاصيها الشمالية، فكأنما طلعت منها على الجاليات الإسلامية هناك شمس ثانية، وكأنما امتد منها حبل واصل بين المسلمين هنا إلى إخوانهم النازحين الغرباء هناك، وقد بلغت من المكانة عندهم أن جملها أصبحت نماذج تنتزع منها الدروس الدينية والخطب الجمعية.

وقفت "البصائر" في القضايا الجزائرية وفي قضايا العروبة والإسلام مواقف شريفة لم تقفها صحيفة عربية ولا أعجمية، وقاومت الاستعمار بالتشنيع عليه وهتك أستاره وكشف سرائره، ولم يثنها عن ذلك وقوع المكروه فضلًا عن توقعه، وكانت شجًا في حلقه وغصة في لهاته، وغيظًا في صدره، وخصمًا لا تلين قناته.

ووقفت في قضية فصل الدين عن الحكومة مواقف صادقة فضحت فيها نيات الاستعمار المبيتة، وكشفت عن مقاصده الخبيثة، وواجهته بحقائق لم يستطع لها إنكارًا ولا ردًا، وسكت سكتة السارق الذي فضحه نور الفجر، وإذا لم تحصل الأمة بعد تلك الحملات الصادقة على طائل، فذلك راجع إلى عناد الاستعمار المعروف، ,وإلى علة أخرى في الأمة ما زلنا نطب لها، ولم نصل إلى نهاية العلاج بعد، وهي أن إيمانها بحقها ما يزال ضعيفًا، ولو أنها عوفيت من هذه العلة، وتم برؤها منها- لأجرت ألسنتنا وأقلامنا بعزمة مصممة، تفصل القضية في يوم أو بعض يوم، ولتركت الاستعمار يقول ما قاله إمامه الأول فرعون: آمنت أنه لا إله إلّا الذي خلق الأمة الجزائرية.

ووقفت في قضية حرية التعليم العربي مواقف مشهودة، سيحفظها التاريخ وتحمدها العربية فيما تحمد، من مواقف النصرة لها، والدفاع عنها، وسيحمدها المنصفون من العرب وأنصار العروبة يوم تجتمع أطراف الأخبار، وتتجلى الحقائق، وبعلم أولئك الأنصار أن

<<  <  ج: ص:  >  >>