للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجمع الناس لمدارسة علم، وإنما تجمعهم لتحكيم وهم، وأقول في نفسي إذا لم تجتمع قلوبنا في حرم رسول الله على دين الله، فهل ينفعنا اجتماع الأبدان؟

ونعود إلى موضوعنا فنقول: إن جمعية العلماء لم تنفق أوقاتها كلها ولم توجه قواتها بأجمعها إلى هذه الجهة فقط كما يتوهم بعض الواهمين، بل إن للجمعية برنامجًا إصلاحيًا عمليًا حكيمًا، وهي موزعة أعمالها على فصوله، معطية كل فصل ما يستحقه، واقفة في كل عمل عند ما يتهيأ لها من وسائله، ويتيسر من أسبابه، ولو لم يتجهم لها الزمن، ولم تصادمها العقبات المتنوعة، ولم تقف في وجهها العوائق المتكررة، لسارت في جميع فروع الإصلاح التي يشملها برنامجها سيرًا حثيثًا، ولكنها تحمد الله على تلك المكاره التي شددت من عزائمها، وسددت من خطاها، وكملت من حنكتها، وزادتها ثباتًا في الحق، أضعاف ما تحمده على المحابّ التي تسرّ وقد تغر.

[موقف الجمعية في التعليم]

موقف الجمعية في التعليم العربي والديني هو أبرز مواقفها، فقد كان التعليم العربي الحر يدور في دائرة ضيقة من أمكنته وأساليبه وكتبه، فسعت الجمعية بما استطاعت من أسباب أن توسع دائرة الأمكنة بإحداث مكاتب حرة للتعليم المكتبي للصغار، وبتنظيم دروس في الوعظ والإرشاد الديني في المساجد، وبتنظيم محاضرات في التهذيب وشؤون الحياة العامة في النوادي، وصحبها توفيق الله تعالى فنجحت مساعيها في هذا الباب نجاحًا عظيمًا، وأثمرت أعمالها اثمارًا نافعًا، ولولا موانع من الأحكام الإدارية الجائرة في غلق بعض المكاتب، والتضييق في إعطاء الرخص، وإيصاد المساجد في وجوه الوعاظ لكانت النتيجة اليوم مما تغتبط به الجمعية العاملة المخلصة، وتغتبط به الأمة المتعطشة المقبلة، وتغتبط به الحكومة التي يجب أن تحكم على الأشياء بنتائجها، وإن كانت حكومتنا إلى الآن- مع الأسف- تتجاهل هذه النتائج أو ترتاب فيها أو تتصورها على خلاف ما هي عليه.

كذلك سعت الجمعية إلى إصلاح أساليب التعليم، فقضت في تعليمها بقسميه المكتبي والمسجدي على تلك الأساليب العتيقة العقيمة التي كان يباشر بها التعليم، والتي ما زالت مثارًا للشكوى والتذمر في مكاتب التعليم ومعاهد العلم بغير الجزائر، ولم تستطع تلك المكاتب والمعاهد التخلص منها مع ظهور فسادها.

أما في المساجد فطريقة الجمعية في الوعظ والتذكير هي طريقة السلف، تذكر بكتاب الله، تشرحه وتستجدي عبره، وبالصحيح من سنّة رسول الله، تبينها وتنشرها، وبسيرته

<<  <  ج: ص:  >  >>