للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على رغبة الإسلام في تحرير الرقيق، وقطع دابر الاسترقاق، وقد كان المسلمون الأولون يتبارون في العتق، ويبعثون في الأسواق حاشرين لشراء العبيد بنيّة العتق اغتنامًا لأجره، وتحقيقًا لحكمته.

ثم جعل عتق الرقاب عقابًا دنيويًا على كثير من المخالفات وكفّارة لها عند الله، فقتل الخطإ يكفر بعتق رقبة بعد الدية، ومن مكفرات الحنث في اليمين عتق رقبة، وفي الظهار الذي لم يبلغ أن يكون طلاقًا عتق رقبة، وجعل العتق عقوبة دنيوية على الذنوب، واعتباره ماحيًا لها عند الله، هو طريق إلى التقليل من عدد الأرقاء والتقليل من الشيء مدرجة لزواله.

وهنالك كثير من الأحكام في التشريع الإسلامي توجب العتق إيجابًا وتفضي إلى التقليل.

فمنها أن السيد إذا ضرب عبده أو أمته ضربًا يجاوز حد التأديب أو الكي بالنار فإنه يعتق عليه جبرًا بحكم الحاكم.

ومنها أن الجارية إذا ولدت من سيّدها فإنها تحرّر من أعمال الإماء، وتزول عنها هجنة الرقيق، وتحرّر بموت سيّدها وتسمّى أم ولد في الاصطلاح الفقهي.

ومنها أن العبد إذا كان يملكه أشخاص اشتكوا في قيمته فعتق أحد الشركاء نصيبه الذي يملكه فإن الحاكم يعتق بقية الأجزاء على أصحابها جبرًا، ويصبح حرًا مهما كان الجزء الذي بُني عليه العتق قليلاً. ومنها أن العبد إذا ادّعى أن سيّده عتقه وأنكر السيد ذلك فإن قول العبد يرجح على قول سيّده بيمين.

وهناك أحكام كثيرة من هذا الباب كلها تحقق ذلك المقصد العام وهو الغاء الرق، وللفقهاء كلمة متداولة في تعليل هذه الأحكام وهي قولهم: "لتشوف الشارع للحرية" وهي كلمة صريحة الدلالة على أن هؤلاء الفقهاء يفهمون أن الإسلام أحكام مبنية على حِكَم، وأن الحكمة في ترجيح جانب العبيد هي التقليل من عددهم، وأن التقليل يفضي بطبيعته إلى الزوال.

حكم التسرّي وحكمته في الإسلام:

أما التسرّي الذي يعيبه الحاقدون على الإسلام، وهو وطء الجواري بملك اليمين، فحكمه الإباحة بالنص القاطع من القرآن وهو النوع الثاني من النوعين الجائزين في قرب النساء، وأولهما التزوّج بالحرائر بشروطه المعروفة، وما عدا هذين النوعين حرام ومجاوزة لحدود الله، وليس في الإسلام حكم بلا حكمة في جميع علائق البشر بعضهم ببعض، فإن وجد حكم بلا حكمة، ولو دقيقة، فهو إما توسّع في الاجتهاد، وإما خطأ من العباد،

<<  <  ج: ص:  >  >>