للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصول العدالة والحق، والأمة الإسلامية الجزائرية لا تجهل المعنى الذي يحمل الإدارة الجزائرية على التمسّك بإدارة المساجد واحتكار تعيين الموظفين الدينيين، مع مخالفتها الصريحة لقانون فصل الدين عن الحكومة، ولا يخفى عليها أن ذلك أسلوب من أساليب الإدارة الاستعمارية التي تسمّي معاكسة الإسلام محافظة على الإسلام.

والمساجد ملك للإسلام والمسلمين لا للحكومة، والمسلم الذي يصلّي في المسجد هو أعرف الناس بآداب المساجد، والمسلم الذي يُصِّلي وراء إمام هو الذي يعرف مَن يصلح للإمامة، فما معنى تدخّل الحكومة الفرنسية في دين قوم مسلمين؟ وما معنى فرض الحكومة على المسلم أن يصلّي وراء رجل تعيّنه هي؟ وما معنى أن تخترع حكومة لائكية كهنوتًا في دين ديموقراطي لا كهنوت فيه؟ فمن حق الأمة الإسلامية أن تُسلّم لها مساجدها، وُيوكّل إليها تعيين مَن تختاره من الأئمة والمؤذنين، وتنفيذ ذلك من أيسر الأمور، وذلك أن تتأسّس في كل قرية لها مسجد جمعية دينية تشرف على مسجدها، وتختار له من يعمره من إمام ومؤذّن وغيرهما، وأن تنتخب كل عمالة أو كل دائرة عدة أعضاء من جمعياتها الدينية يتكوّن من مجموعهم مجلس ديني أعلى يجتمع في العاصمة في أوقات معيّنة للنظر في مصالح المساجد العامة وموظّفيها، وهذا المجلس هو الذي يتفاهم مع الحكومة في مسألة ريع الأوقاف.

[الإصلاح السياسي]

لعلّه ليس من غرض اللجنة المحترمة أن تسألني عن المسائل السابقة، فأكون قد تبرّعت ببيان رأيي مجملًا فيها، أما الإصلاح السياسي فهو المقصود بالسؤال بلا شك، لأن التصريحات الرسمية دائرة عليه، فأصارح اللجنة المحترمة للمرّة الثانية بما أعتقده الحق، وهو أن التصريح الرسمي بإدخال عشرات الآلاف من المسلمين الجزائريين في الجنسية الفرنسية، من غير استفتاء الأمة ولا مشورتها، قد أثار في أذهان الجمهور الأعظم من الأمة ذكرى شروع "فيوليت" الذي ثارت حوله عواصف من المناقشات بين الأمة وبين الدوائر الاستعمارية سنة ١٩٣٦، ثم حكم عليه الزمن بالاندثار والموت لعدم صلاحيته، ونسيته الأمة حتى رأت صورته واضحة في ما يراد أن تبنى عليه الإصلاحات الجديدة. ونقول بكل صراحة إن هذا المشروع ليس مما يرضي الأمة الإسلامية الجزائرية التي لا تريد أن تكافأ اليوم بمشروع لم يف برغائبها سنة ١٩٣٦، ولا تريد أن يحيا بعد أن حكم الدهر عليه بالموت، ولا تريد أن تُذكَّر به بعد أن نسيته غير آسفة عليه.

فمن الإنصاف لهذه الأمة المسلمة- بعدما سبق منها من إلحاح في المطالبة بحقها وبعدما قدمته من تضحيات من الأنفس ومن الأموال- أن تُعطى حقّها في الحرية والحياة كاملًا غير منقوص، كما أدّت واجبها كاملًا غير منقوص، وأن تُساوي غيرها في الحياة كما ساوته في الموت، وأن لا تُرغم على الدخول في الجنسية الفرنسية لا أفرادًا ولا جماعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>