للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

داء المسلمين ودواؤهم *

الباحث في أحوال المسلمين بحث تقصٍ واستقراء رجل من اثنين، رجل من أنفسهم ورجل من غيرهم، وكلا الرجلين يجتمع بصاحبه في نقطة تبعث الحيرة وهي: كيف يسقط المسلمون هذا السقوط المريع وفيهم كل أسباب الصعود وبين أيديهم كل ما ارتقى به أسلافهم، فأصول الدين من كتاب وسنّة محفوظة لم يضع منها شيء، وأسباب التاريخ واصلة لم ينقطع منها شيء، واللغة إن لم ترتق لم تنحدر، والعرب الذين هم جذم الإسلام ما زالوا يحتفظون بكثير من الخصائص الجنسية ومعظمها من المكارم والفضائل، والأرحام العربية ما زالت تجد من بين العرب من يبلها ببلالها، فلم تجف الجفاء كله وإن لم توصل الوصل كله، والتجاوب الروحاني الذي تردّد صداه كلمة الشهادة في نفوس المسلمين وكلمة التلبية في جنبات عرفات لم يتلاشَ تمامًا، والأرحام المتشابكة بين المسلمين لم تجف الجفاف الذي يقطع الصلة، ومن السنن الكونية المقرّرة في سقوط الأمم وعدم امتداد العزة والرقي فيها أن ينسى آخرها مآثر أوّلها فينقطع التيّار الدافع فيتعطّل التقدّم. والمسلمون لم ينسوا مآثر سلفهم، بل هي بينهم مدوّنة محفوظة مقطوع بها بالتواتر، بل هم أكثر الأمم احتفاظًا بمآثر السلف وتدوينًا لها، ولا يعرف بين أمم الأرض أمة كتب علماؤها فيما يسمّونه الطبقات والسير مثل ما كتب المسلمون في ذلك.

والباحث الأجنبي معذور إذا تحيّر، وقد يخفّف عنه ألم الحيرة ابتهاجه بهذا السقوط، وان بحثه عن الداء ليس بقصد الدواء، فقد عوّدنا كثير من هؤلاء الباحثين الأجانب أنهم لا يبحثون لذات البحث ولا يدرسون هذه المواضيع لوجه التاريخ الخالص، فضلًا عن أن نجد عندهم ما يطلب من العالم المخلص، وهو أن يرمي ببحثه وبإعلان نتائج بحثه إلى تنبيه الضال ليهتدي والمريض ليسعى في الاستشفاء والساقط ليأخذ بأسباب الصعود والنهوض،


* مجلة "المسلمون "، السنة الثالثة، العدد ٩، ذو القعدة ١٣٧٣هـ / يوليو ١٩٥٤ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>