للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إلى أبنائي الطلبة]

المهاجرين في سبيل العلم *

ــ

أوجه النداء إلى جميع أبنائنا المهاجرين إلى الشرق العربي، أو إلى أطراف المغرب العربي، أو إلى أوربا، ثم أخصّص المهاجرين إلى تونس لأنهم كثرة، ولأن في أحوالهم لغيرهم عبرة.

إنكم يا أبناءَنا مناطُ آمالنا، ومستوح أمانينا، نعدكم لحمل الأمانة وهي ثقيلة، ولاستحقاق الإرث، وهو ذو تبعات وذو تكاليف، وننتظرُ منكم ما ينتظره المدلج في الظلام من تباشير الصبح.

وإنكم يا أبناءَنا فارقتم الأهل، وفيهم الآباء والأمهات، وفارقتم الديارَ التي خلعتم فيها التمائم، وفارقتم الوطن الذي له على كل حرّ كريم دَين! وفاؤه الحب، وكفاؤه النفع والجميل، وما هوّن فراقكم على آبائكم وهوّن فراقهم عليكم إلا الآمالُ اللائحة لكم ولهم في مستقبلكم، ولما تعودون به من علم يصحبه فخر، وحسنُ ذكر، وطيبُ أحدوثة.

إن آباءَكم يتخيّلون من وراء هجرتكم ما يعود به المجاهد المقدام من أجر وغنيمة، وما يرجع به التاجر المخاطر من أرباح وطرائف.

وإنكم لتتخيلون من وراء هجرتكم- وأنتم في ربيع الحياة- ما يفوق أفوافَ الربيع حُسنًا وجمالًا، ويفوق أزهارَه أريجًا وعطرًا.

وإن الوطن- وهو أبو الجميع- يتطلع من وراء هذه الهجرة إلى إحياء وتعمير وإعادة مجد وبناء تاريخ؛ نحن نعلم أن الأب العامي الفقير حين يرضى بفراق ولده، ويزوّده ببعض ما يملك من قوت العيال الصغار طائعًا مختارًا مطمئنًّا، إنما يفعل ذلك اعتقادًا بأن فعله تكفير


* نُشرت في العدد ٩ من جريدة «البصائر»، ٣ أكتوبر سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>