للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدعوات الروحية وآثارها في النفوس لأنها أثبت صبغة وأسد خطى وأصدق نتيجة، وزاد في انزعاجها منها أنها حركة بناء للعقول وللمدارس التي تربي العقول، وأنها تعنى بالتربية والتعليم والتكوين والإعداد، وأنها تبني النتائج على مقدّمات صحيحة، وأن الغاية الطبيعية لعملها هي إيجاد أمّة تعرف كيف تطالب وممن تطالب وبماذا تطالب، ثم تصرّ على المطالبة وتعرف كيف تأخذ وكيف تحافظ على ما أخذت، ولا تنكس في مرحلة من مراحلها ولا تنتكس ولا تصالح لأنها تفكّر وتقدّر ولا يزعج الاستعمار شيء مثل الإعداد والتربية والرجوع إلى منابع القوة والعزة من دين ولغة وتاريخ، ولذلك نراه يعمد إلى مقوّمات الأمم بالتشويه والمسخ والطمس حتى تنسى الأمة مقوّماتها فيسهل عليه ابتلاعها والقضاء عليها، وهكذا فعل بالجزائر منذ احتلالها، وهكذا فعل بتونس ومراكش بعدها، وما ابتلى الله الأمة الإسلامية به إلا بعد أن ضعفت فيها تلك المقوّمات بالإهمال والجهل واستبدال الضلالة بالهدى والرق في الدين ومحال أن تتسلّط أمة، وإن بلغت من القوة ما بلغت، على أمة محتفظة بمقوّماتها المعنوية والروحية المستمدّة من دينها، وبمقوّماتها الذاتية المستمدّة من لغتها وتاريخها وخصائصها الجنسية وأمجادها الموروثة، ولا يرهب الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي هذه الحركات السياسية المحضة مثلما يرهب حركة جمعية العلماء التي بدأت في الجزائر وسرت عدواها بالتأثّر والاحتذاء إلى الجناحين مراكش وتونس، ومن خصائص القرآن إذا فهمه الناس وعملوا به أنه يجمع بنيه على مبدإٍ واحد ويوجّههم وجهة واحدة. وسلاح الاستعمار الذي رمى به الشرق هو تفريق المجموع، فليفهم المسلمون أنهم إذا أحيوا القرآن وتعاليمه في نفوسهم أبطلوا جميع مكائد الاستعمار، وأنه لا سلاح لهم بعد أن وصلوا إلى هذه الحالة من الضعف إلا ما يقتبسونه من القرآن من الأخذ بأسباب القوة الروحية والقوة المادية.

[واقع العالم الإسلامي]

واقع العالم الإسلامي اليوم أنه مستعبد مسخّر يتعب ليسعد عدوّه ويموت ليحيي غيره ولا درجة في الخزي والهوان أحط من هذه، ولا ينكر هذا إلا مغرور بالظواهر أو مخدّر من الاستعمار أو جاهل لا فكر ولا عقل له فلا يقبل له رأي ولا يصحّ منه حكم. عداد المسلمين في العالم يزيد على خمسمائة مليون ولكن أي شعب من شعوبه يعدّ مستقلًا استقلالًا حقيقيًا بريئًا من شوائب التدخّل الأوربي كاملًا مستوفيًا لشرائطه وعناصره من السياسة والعلم والاقتصاد؟ الواقع المشهود للعيان أنهم عالة على غيرهم وفي كل شيء، فسياستهم العامة مسيّرة على هوى غيرهم لا على مصالح شعوبهم، ووراء كل حكومة من حكوماتهم أشباح خفية تأمر فتطاع وتنهى فتمتثل وتغضب فيقرأ لها حساب، والعلم يأخذونه على أعدائهم كما يملونه سمًا أو ترياقًا، وخيرات بلادهم وهي أساس قوّتهم محتكرة للأجنبي، حظّهم منها

<<  <  ج: ص:  >  >>