للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحظ الأوكس والتجارة والصناعة لا يد لهم فيها ولا رجل: يبيعون القنطار من نتاج أوطانهم رخيصًا ثم يشترون الداني منه غاليًا، فإذا أغلق صاحب السوق سوقه في وجوههم أفلس غنيّهم ومات فقيرهم جوعًا وهلك عريًا وهم مع هذا مشغولون بالتوافه مفتونون بظواهر السلطة مقدّرون لأسباب الخلاف والتباعد بينهم، لا يفكّرون بالاتحاد الذي يحمي جميعهم ولا في التعاون الذي يحرّرهم ويأتيهم بالقوة ويدفع عنهم استغلال الأجنبي لمرافقهم ولا يتحاكمون في حلّ مشاكلهم إلى العقل الذي يقرر قاعدة: "هي لك أو لأخيك أو للذئب" ثم يحكم لواحد من الأولين ليحرم الذئب. أما علة هذه الحالة فهي متشعبة المسالك متعددة النواحي ولكنها ترجع كلها إلى سبب الأسباب وهو ضعف الأخوة الإسلامية إلى درجة قريبة من العدم، حتى أصبحت كلمة تقال على الألسنة ولا قرار لها في القلوب، ولو كان لها معنى يخالط النفوس ويؤثر فيها لرجعت حكوماتهم كلها إلى حكومة واحدة أو إلى حكومات متحدة في الرأي واعتبار المصلحه العامة، ولرجع علماؤهم إلى الكلمة الجامعة في الدين وشعوبهم إلى المنفعة الجامعة في الدنيا ولرجع أهل الرأي منهم إلى المنزلة التي وضعهم فيها القرآن وهي منزلة بعد الله ورسوله مباشرة. وأما دواء هذه العلة فهو معروف من العلة نفسها ومبدؤها من علماء الدين، فالواجب المتعيّن عليهم أن يتداعوا إلى نبذ الخلاف في الدين واللياذ بالمتفق عليه وهو القرآن، ثم يحملوا الحاكمين على إقامته والاهتداء بما أرشد إليه ويحملوا المحكومين على التخلّق بآدابه والوقوف عند حدوده والإذعان لأحكامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>