للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقرير الحكومي العاصمي *

ملاحطات عامة

ــ

في الإدارة الجزائرية العليا مطبخة- ليست كالمطابخ- تُطبخ فيها الآراء والأفكار في كل ما دق وجل من شؤون المسلمين، والقائمون على هذا المطبخ طهاة يُحسنون الفن، ودهاة يحكمون بأول الظن، وهم منتخبون من طراز خاص، أول الشروط فيهم أن يكونوا قد أفنوا أعمارهم في حكم المسلمين، واجتازوا المراتب الإدارية من أدناها إلى أعلاها، وتمرسوا بمحكوميهم، وفهموا ميولهم واتجاهاتهم، ودرسوا مواطن الضعف والقوّة فيهم، وآخر الشروط فيهم أن يكونوا استعماريين قبل كل شيء، والسيد السند من هؤلاء هو الذي يُثبت أنه حكم المسلمين حكمًا استبداديًّا وعرف كيف يرهقهم، وكيف يُذلهم وكيف يضرب بعضهم ببعض ويمزق شملهم، وكيف يديرهم على أن يكونوا آلات صماء لا أناسًا، وكيف يستلب منهم العقل والإدراك، وكيف يروضهم على أن يقابلوا اللكم بالبكم، والصفع بالشكر ... حتى يكتسب من كل ذلك ملكة فيما يسمونه "السياسة الأهلية"، بحيث لو كانت لها درجات كالدرجات العلمية لمنحوا صاحبها لقب أستاذ في الشيطنة، كما يقال أستاذ في الفلسفة.

في هذا المطبخ طبخ التقرير العاصمي ملفوفًا بتوابله، وفيه وُلد محفوفًا بقوابله، فجاء كما رأيناه وفيه طعم الإدارة ولونها وريحُها، ولو نطق لشهد بالمطبخ والطابخ.

...

وفي تلك الإدارة نفسها معمل لصنع الرجال على أشكال ومقادير مخصوصة، لا يشترط في المادة الخام إلّا أن تكون ذات قابلية واستعداد، وطوع وانقياد، وفي المعمل جهاز


* نشرت في العدد ٥٨ من «البصائر»، ٢٩ نوفمبر عام ١٩٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>