للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٤ * -

____

[كلمة حق]

____

الأولى: كانت كراتشي قبل الانفصال ميناءً تجاريًا، تربطها بالهند كله سكة حديد مزدوجة، وتعمرها عناصر مختلفة، أغلبها من غير المسلمين، إما من الهندوس وهم الأكثر. وإما من المجوس وهم قليل، وإما من الشيعة الآغاخانية وهم الأقل، وهذه الطوائف الثلاث من أنشط خلق الله في التجارة والتمرّس بأساليبها، والتقلب في وجوه الاقتصاد، وللمجوس فيها بيوت نار، لأنهم حاملو الشعلة المقدسة من أرض فارس إلى الهند، وللهندوس فيها معابد برهمية، أما المسلمون فلم تكن لهم فيها مساجد تذكر، لأن السنود الذين هم أهلها والمحيطون بها من أبعد الناس عن التجارة وممارستها وإنما يقومون فيها بوظيفة العملاء المستهلكين، أو العمال والحمالين، والفلاحون منهم أشبه بفلاحينا في الجزائر، يكدحون لمصلحة الهندوس الذين يعاملونهم بالربا الفاحش، ومع الربا الفاحش أنواع من الرهن والاستيثاق، وكان سكانها نحو ثلاثمائة ألف، فلما انفصلت باكستان رأى بطل الانفصال محمد علي جناح وصحبه أن تكون هي العاصمة للدولة الإسلامية الجديدة، لوقوعها على البحر، ولتوسطها بالنسبة إلى العرض، ولبعدها عن الحدود الهندية، ولاعتبارات أخرى، وقد عارض السنود في ذلك لأنها عاصمتهم الإقليمية، ولولا عزمة منه- رحمه الله- لما تمّ جعلها عاصمة الدولة المركزية، فصمّم ونقل عاصمة السند الإقليمية إلى حيدر أباد السند، وكان الانفصال مصحوبًا بالمذابح التي كان الهندوس هم البادئين بارتكابها والإفحاش فيها، فتدفّقت على هذه العاصمة الجديدة وحدها نحو ثمانمائة ألف من مجموع الملايين التي هاجرت فرارًا من الموت، واستولت الحكومة الباكستانية على معابد الهندوس، ولكنها لم تصيّرها مساجد، فبدأ أهل الخير والإحسان يبنون المساجد في كراتشي حتى يجد هؤلاء المهاجرون أين يصلون، وأصبحت حركة بناء المساجد حركة شعبية كما أن حركة بناء


* «البصائر»، العدد ١٩٩، السنة الخامسة من السلسلة الثانية، ١ سبتمبر ١٩٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>