للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ساء الاستعمار الفرنسي أن تُقْبِل البنت الجزائرية على مدارس جمعية العلماء، حيث تتلقى العلم النافع، وتتربى التربية الصالحة، وتتخلق بالخلق القويم، فأوحى إلى شياطينه أن يثيروا الغبار حول ذلك التعليم، ويشيعوا قالَةَ السوء عن مدارس الجمعية التي "عرضت الأعراض للتمزيق".

وسلَّ الإمامُ قلمه البتار على أولئك الرهط، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وكشف هدف تلك الحملة، وهو أن الاستعمار "متشائم بتعليمها- الجمعية- للبنت المسلمة، لأن نتيجته تكوين بنت صالحة، تصبح غدًا زوجة صالحة، وبعد غد أُمًّا صالحة، وهاله أن تعمر البيوت بالصالحات فَيَلِدْن جيلاً صالحًا صحيح العقائد متين الإيمان، قويم الأخلاق، طموحًا إلى الحياة، فتطول به غصته ثم تنتهي به قصته ... (ولأن) الاستعمار بعيد النظر، عارف بما للمرأة في أمتها من الأثر، فهو- لذلك- حرَّكَهُم، وما زال يحركهم لإثارة هذا الغبار الأسود في وجه جمعية العلماء، (لـ) زعزعة ثقة الأمة بالجمعية في خصوص تعليم البنت" (٣٢).

وقد عانت مدارس جمعية العلماء كثيرًا من عراقيل السلطات الفرنسية، وأصاب معلميها كثيرٌ من الأذى، لأنهم كانوا يقومون بعملية "تحصين" و "تطعيم حضاري" ضد الفَرْنَسَة والتنصير، ولذلك كانت تلك السلطات تعتبر تلك المدارس "عبارة عن خلايا سياسية، والإسلام الذي يمارسونه- العلماء- هو مدرسة حقيقية للوطنية" (٣٣).

وللتقليل من تأثير مدارس جمعية العلماء على الأطفال الجزائريين وإفسادًا لذلك التطعيم الحضاري والتحصين المعنوي حاولت السلطات الفرنسية فرض تدريس اللغة الفرنسية لمدة خمس عشرة ساعة أسبوعيًا في مدارس الجمعية، فـ"رفضتُ المفاهمة في المشروع بحذافيره، وفي جملته وتفصيله، وَأَبَى لي ديني أن أعطي الدنية فيه، وأبَتْ لي عروبتي أن أقر الضيم للغتي، وأبى لي شرف الجمعية وشرف العلم أن أتمادى في مفاهمة ضالة عقيمة في حق طبيعي ثابت ... وللحكومة أن تسقط السماء علينا كِسَفًا، وأن تتجنى علينا ما شاء لها التجني والظلم" (٣٤).

[٣) تكوين لجنة التعليم العليا]

يؤمن الإمام الإبراهيمي أنه "إذا اختلفت الأصول والمناهج في أمة كانت كلها فاسدة، لأن الصالح كالحق لا يتعدد ولا يختلف" (٣٥)، و"أن توحيد الغايات لا يأتي إلا بتوحيد الوسائل" (٣٦)،


٣٢) انظر مقال "في كل ناد أثر من ثعلبة" في الجزء الثالث من هذه الآثار.
٣٣) أبو القاسم سعد الله: الحركة الوطنية الجزائرية، الجزائر ط ٣، المؤسسة الوطنية للكتاب، ١٩٨٦، ج ٣، ص ١٥١، وهو ينقل عن تقرير أمني فرنسي عنوانه "الجزائر في نصف قرن".
٣٤) انظر مقال "التعليم العربي والحكومة رقم ٩" في الجزء الثالث من هذه الآثار.
٣٥) انظر مقال "مرشد المعلمين" في هذا الجزء من الآثار.
٣٦) انظر مقال "حقوق الجيل الناشئ علينا" في الجزء الثالث من هذه الآثار.

<<  <  ج: ص:  >  >>