للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مورثًا مسلمًا مات وترك ابنًا وبنتًا وثلاثمائة نقدًا، قال الإسلام: للإبن مئتان، وللبنت مائة، فقلتم، هذا ظلم ... هذا غبن ... هذا إجحاف ... ولم تفهموا أن الإسلام نظر إلى المرأة ككل، ونظر إلى مراحل حياتها الثلاث كمنظومة متناسقة، فإذا نقص لها في جزئية، جبر لها في جزئية أخرى، ولنجرِ معكم على مثالنا ولا نخرج عنه، ولنفرض أن الأخوين الذكر والأنثى تزوّجا في يوم واحد، وليس لهما من المال إلا ذلك الميراث، فالذكر يدفع لزوجته مائة صداقًا، فيُمسي بمائة واحدة وأخته تأخذ من زوجها مائة صداقًا فتصبح ذات مائتين، والذكر مطلوب بالإنفاق على نفسه وزوجته وأولاده إن ولد، وأخته لا تنفق شيثًا على نفسها ولا على أولادها.

فهذا هو الميزان العادل في الإسلام يتجلى من هذا المثال، وتتجلى منه رحمة الله في هذا المخلوق الذي ركبه الله على ضعف، ورشّحه لحمل أعظم أمانة، وهي تربية الناشئة وإعدادها للحياة.

هذه أنواع قليلة من التحرير العام الذي جاء به الإسلام، ألمعنا إلى بعضها الماعًا وأطلنا في تحرير المرأة قليلًا، لأن خصوم الإسلام يتخذون منها نقطة الهجوم عليه، وحديثهم في موضوع المرأة أكثر من حديثهم في الاسترقاق، لأن مركز المرأة في المجتمع ممتاز، ولأن الحياة كلها تتوقف عليها، ولأن جوانب الحديث عنها متعددة، فالحجاب والطلاق والوظيفة والعمل والتعلّم والاختلاط والميراث، والانتخاب أخيرًا ... كلها جوانب للحديث عنها هجومًا ودفاعًا.

أفمن حرّر المعاني والقوى والأجناس والأصناف والأشخاص، ثم حرّر الحيوان الأعجم، لا يحرّر الأرقاء من بني آدم؟ ...

وهات الحديث عن الرقيق وقل ... ان الحديث عن الرقيق رقيق

[الاسترقاق في التاريخ]

الاسترقاق قديم ممتد مع تاريخ البشر، وأصله الظلم المتأصل في الغرائز، فكانت القبائل في أطوار البداوة يغزو قويّها ضعيفها فيأسر الرجال ويسبي النساء والذراري، ويتبع السبي الاسترقاق.

وجاءت الحضارات فلم تنسخ هذه السنّة، وإنما وضعت لها حدودًا وقوانين، صيرتها شرًا منظّمًا. وشأن الحضارات قديمها وحديثها أنها لا تهذّب الغرائز الحيوانية في الإنسان، وإنما تموّهها بطلاء ظاهر وتخترع لها من حيل العقل والعلم ما يزيدها ضراوة بالشر واحتيالًا لارتكابه وتبصيرًا بطرقه، فالحضارة القائمة الآن لا تسبي النساء والأطفال في حروبها،

<<  <  ج: ص:  >  >>