للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسياسة المنكوبة ليربط الشباب في النهاية بالوطنية في أظهر صورها، وأنبلِ مبادئها "إن الوطنية لَعَقيلَةُ كرام، لا يساق في مهرها بهرج الكلام، وكريمة بيت، لا تنال بِلوْ ولا بِلَيْت، وإن العلم كبير أناس لا يصاحب إلا بضبط الأنفاس" [ص:٣١٥].

"العلم ... العلم ... أيها الشباب، لا يلهيكم عنه سمسار أحزاب، ينفخ في ميزاب، ولا داعية انتخاب في المجامع صخاب، ولا يلفتنكم عنه معلل بسراب، ولا حاو بجراب، ولا عاو في خراب يأتَمُّ بغراب، ولا يَفْتِنَنَّكُمْ منزو في خنقة ولا ملتو في زنقة، ولا جالس في ساباط، على بساط يحاكي فيكم سنة الله في الأسباط، فكل واحد من هؤلاء مشعوذ خلاب، وساحر كذاب" [ص:٣١٦].

أرأيتم هذه الإيحاءات، والإحالات على تعددها، كيف أنها تشير، منفردة ومجتمعة، إلى آفات المجتمع الجزائري آنذاك، وهي آفات فيها الحزبي المخادع باسم السياسة، وفيها الطرقي المضلل باسم الدين، وفيها المشعوذ، والحاوي، وكلها ظواهر مقيتة في حياة المجتمع الجزائري، ولقد وفق الخطاب الإبراهيمي في توظيف هذه الآفات، بمخاطبة العقل الطلابي وتحذيره باسم العلم من مخاطرها.

إن الفكر العقلاني لطافح، بمنهجه، وأدلته، وبراهينه في خطاب "عيون البصائر"، وسيؤسر القارئ بصوره الخلابة الجذابة، بما أوتي هذا الخطاب من حكمة وفصل خطاب. وحسبنا أن ننبه القارئ والدارس إلى هذه الجوانب المضيئة في الخطاب، حتى يملأ منها النفس والوطاب.

٥ - السياق التّارِيخاني:

تبارك الذي خلق محمد البشير الإبراهيمي، فجعله كاتب الجزائر الأصيل، وابن العروبة السليل، وحامي حمى الإسلام المثيل. أمده بالإلهام فكان عقله ناطقًا بسمو الفكر، ولسانه ذاكرًا لله بالشكر، وضميره طافحًا بحب الأمة، إلى حد السكر.

لقد وضع لنا "عيون البصائر"، فجاءت جامعة للبيان، والعرفان، ومدونة لسيرة الأعداء والخلان يجد فيها القارئ الموسوعة الثقافية، والأدبية، والتاريخية، والسياسية للجزائر بثوابتها في غير تعصب، وبطموحاتها واستعداداتها للتوثب.

إن الشباب الجزائري، ومن ورائه الشباب العربي والإسلامي، الدارس، سيجد في "عيون البصائر" أبرز حوادث العصر، بتموجاتها، وصراعاتها، وتحدياتها، وردود أفعالها ... وهي كافية لمن اقتصر عليها، بشرط فك رموزها الكثيرة. وتجاوز ألغازها وإيحاءاتها العسيرة وهو ما يمثل السياق التاريخي أو التاريخاني للجزائر والعالم الإسلامي، في عصر الإبراهيمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>