للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمعية العلماء: أعمالها ومواقفها *

[- ٣ -]

ثم نقول لبعض إخواننا وساستنا الذين يناوئون جمعية العلماء، وهي مادّة قوتهم، وعماد أعمالهم، وأصل فروعهم، ومجمع غاياتهم التي يعملون لها إن كانوا صادقين، نقول لهم على اختلاف نزَعاتهم من أفراد وجماعات: إن السياسة لباب وقشور، وإن حظ الكثير منكم- مع الأسف والمعذرة- القشورُ دون اللباب.

أما لباب السياسة بمعناها العام عند جميع العقلاء فهو عبارة واحدة: إيجاد الأمة، ولا توجد الأمة إلا بتثبيت مقوّماتها من جنس، ولغة، ودين، وتقاليدَ صحيحة، وعادات صالحة، وفضائلَ جنسية أصيلة، وبتصحيح عقيدتها وإيمانها بالحياة، وبتربيتها على الاعتداد بنفسها، والاعتزاز بقوّتها المعنوية، والمغالاة بقيمتها وبميراثها، وبالإمعان في ذلك كله حتى يكون لها عقيدةً راسخة تناضل عنها، وتستميت في سبيلها، وترَى أنّ وجود تلك المقومات شرط لوجودها، فإذا انعدم الشرط انعدم المشروط، ثم يفيض عليها من مجموع تلك الحالات إلهام لا يغالب ولا يردّ، بأن تلك المقوّمات متى اجتمعت تلاقحت، ومتى تلاقحت ولدَت " وطنًا".

فاسمحوا لنا حين نفتخر بأن هذا اللُّبابَ من حظ جمعية العلماء، له عملت، وفي ميدانه سابقت فسبقت، وفي سبيله لقيت الأذى والكيد والاتهام، وفي معناه اصطدم فهمها بفهم الاستعمار، هي تفهمه دينًا، وهو يفهمه سياسة، اسمحوا لنا حين نعتقد أن حظ بعضكم من هذا اللباب صفر في صفر، فإن لوَوْا ألسنتهم بشيء من ذلك كذبتهم أعمالهم، وصدمهم الواقع، وإذا حاولوا شيئًا من ذلك شفّ ثوبُ التصنع عما تحته فافتضحوا.

إن جمعية العلماء تبني المقوّمات التي لا تكون الأمة أمةً إلا بها، ولا تكون وحدةً متماسكة الأجزاء إلا بالمحافظة عليها، فواجب على كل سياسي مخلص أن


* نشرت في العدد ٤ من جريدة «البصائر»، ٢٩ أوت سنة ١٩٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>