للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمهور، حتى أنسوا الأبناء هناك ألم الغربة، وهوّنوا على الآباء هنا وقع المصيبة، وذكروهم أن التربة التي وارت أبناءهم إنما هي تربتهم، وكم وارت قبلهم من رفات أجدادهم، وحق المحسنين الكريمين من آل السبتي في التقدير لعملهما والثناء عليهما.

وأنا لا أزن عمل هذين المحسنين بقيمته المادية، وإنما أزنه بقيمته المعنوية، ولا أعدّه إحسانًا إلى الطلبة، وإنما أعده إحسانًا إلى الجزائر كلها من المغرب كله، كان سرًّا مخبوءًا في النفوس الكريمة من أبنائه، فأبرزته الفاجعة للوجود، وتولّى الأخوان الكريمان عن المغرب إسداءَ عارفة إلى الجزائر، لا تنساها، ما بلّ بحر صوفة، كما تقول العرب، ولو أن هذين المحسنين تبرّعا بالملايين من المال، لَمَا وقعت في النفوس موقع دار للسكنى، ولو كانت خصًّا، فكأن القائمة كفارة عن الساقطة، وما ألطف الاختيار، وما ألطف موقعه، وقلْ ما شئت في الحوادث، قل إنها تفرّق الجمع، وقل إنها تشتّت الشمل، وقل إنها تريق الدموع والدماء، ولكن يجب أن تقول أيضًا: إنها تجمع القلوب على التعاطف، وتمهّد للبعداء أسباب التعارف، وتعرّف ذوي الرحم كيف يصلون الأرحام.

أنا باسم جمعية العلماء وباسم الأمّة الجزائرية أتقدّم إلى المغرب وساكنيه، من مليكه الهمام، إلى علمائه الأعلام، إلى محسنيه الكرام، إلى أحزابه وهيئاته وجمعياته، بإحسان عن إحسانهم، وثناء على اهتمامهم، تحملهما هذه الكلمات التي معناها عرفان الجميل، وحقيقتها مكافأة الجزيل بالقليل، وإن عرفان الجميل لألذ وأشهى إلى النفوس الكريمة من كل مفروح به ... وعذرًا أيها الإخوان، إذا جئنا بعدكم، فإننا رأينا غيوث اهتمامكم لم تزل متوالية، وكلمات شعرائكم وكتابكم لم تزل متواصلة، ومن عادة الشاكر المثني أن تكون كلمته هي الأخيرة.

وحيّا الله المغرب ومليكه، ومعادن الخير من رجاله، الواصلين لرحم الأخوّة. وحيّا الله ذلك الأخ البرّ الذي تمثّلت فيه الجزائر بالمغرب، فكان لسانها الذاكر الشاكر، وكان في هذه الفاجعة وكأن فيه من كل أسرة مفجوعة فلذة، فكان هو المعزِّي وهو المعزَّى، وكان وحده القائم بشروط الوفاء، من تأبين ورثاء، وتسلية وعزاء، ومكافأة للمحسنين وجزاء، ذلكم- فاعرفوه- هو الأستاذ رابح خطاب الفرقاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>