للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها ونافح عن مبادئها بلسانه وقلمه، ولم يلبث أن جاوز البحر إلى فرنسا في حدود سنة ١٩٣٢، واستقرّ بباريس يزاول عملًا كتابيًا شريفًا، وهو عصامي في اللغة الفرنساوية اعتمد في تعلمها على مواهبه وذكائه حتى أتقنها تكلمًا وكتابة، وهو يترجم عنها وإليها كأحسن ما يترجم الذين حذقوها في مدارسها من الصغر. يمتاز الأستاذ اليعلاوي بوفور الحظ من خلال وفضائل نزرت حظوظ أقرانه منها، رأسها الصدق، والوفاء، والإخلاص، وبذل النصيحة والاعتراف بالفضل لأهله، والمسارعة إلى العون، ومن وفائه لإخوانه الذين شاركهم في الطلب والتحصيل بالزيتونة من جزائريين وتونسيين، أنه محتفظ بودّهم، محافظ على عهدهم، فلا يذكرهم إلا بأحسن ما يعلمه عنهم، ويتعهدهم بالسؤال من كل وارد، والتحية مع كل صادر، ومن إخلاصه تفانيه في نشر مبادئ جمعية العلماء، وإنفاق الفضل من أوقاته في التبشير بها والدعوة إليها.

يشغل الأستاذ اليعلاوي من وظائف جمعية العلماء رئاسة شعبتها بباريس منذ سنين وهو معتمدها الوحيد ومرجعها في كل ما لها من علائق وشؤون وراء البحر، والجمعية تثق الثقة التامة برأيه وأمانته، كما تثق بعلمه وعقيدته، وتركن إلى عقله وأناته، كما تركن إلى صدقه وإخلاصه، وتفخر بأن يكون مثله في استكمال التجارب وسعة الاطلاع على رأس حركتها في فرنسا.

والأستاذ اليعلاوي- مع ذلك كله- دائب الحركة، جمّ النشاط، دقيق النظام، منسّق المواعيد، لا تلمّ الفوضى بساحته، ولا تضيّع حزمه بساطة المظهر وهدوء الطبع. وهو لذلك، يتمتع بالاحترام من كل من عرفه، وبسمعة عاطرة هي حلية المسامع والأفواه.

وقد شارك الأستاذ التبسي في كل خطوة خطاها في تمهيد السبيل لتنظيم حركة التعليم والإرشاد بباريس وضواحيها، ونظم الاجتماعات وعلا صوته فيها، بارك الله فيه وأعانه، وسدّد خطاه.

...

والشيخ سعيد البابي واسطة الطبقات الوسطى من تلامذة الأستاذ الرَّئِيسُ المرحوم عبد الحميد بن باديس، الذين ربّاهم على هدي القرآن، وأعدّهم لخدمة هذه الأمّة، وراضهم على الصبر وتحمّل المكاره في سبيلها، وسلّحهم بالفضائل الإسلامية لتأخذ الأمّة عنهم بالقدوة في أعمالهم ما يحملها على التصديق بأقوالهم، طريقة في التربية المثلى كان- رحمه الله- يأخذ بها تلامذته، حتى إذا عاقهم الزمن عن أن يصدروا عنه بعلم غزير، صدروا عنه بفكر نيّر وإرادة قوية وعزيمة شديدة، ومنهج سديد للعمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>