للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أقسم بذات الحفيف، والجناح الخفيف، المشارفة في جوّها للكفيف (٥) وبالسر المودع في التجاويف والتلافيف، وبالمغيرات صبحًا عليها التجافيف، والمغيرين على الحق كالعاهر ابن العفيف (٦). وبالسابغات والسوابغ من الدروع والجلابيب، وبالآخذين أمس من تلّ أبيب بالتلابيب، وبالبحر والسفينة، والحبر و"الدفينة" (٧)، إن أبا الطيب المتنبي لمن موالينا، وممن تلقَّى الكهانة عن أوالينا، وإنه ما دُعي بالمتنبي (٨) إلا لأنه كان شاعرًا كاهنًا، ليناقض النبي الذي لم يكن كاهنًا ولا شاعرًا، وقد نُفِيا عن النبي مجتمعين، فثبتا في المتنبي مجتمعين، وإن كثيرًا من شعره كهانةٌ ملتفِّعة بالشعر، يُوطّيها في جُمل، ويغطِّيها بممدوح أو جمل؛ وستظهر أخباؤها، وتُعلم أنباؤها ... وإن قوله: وقعت على الأردن منه بليّة، هو من الكهانة الكاهنة (بالحالة الراهنة). قالوا أراد أسدًا قانصًا، وقلنا أراد رجلًا ناقصًا. قالوا: أراد كلبًا، روع قلبًا، ومزّق خلبًا، وأوسع المهج سلبًا، وقدم ضراغمة غُلبًا، أوطنها غابات غلبًا وذاد عنها أشاوس غلبا، قلنا: إنما أراد رجلًا ركب صعبًا، وباع شعبًا، وعقَّ لؤيًّا وكعبًا، وسلك بنو أبيه شِعبًا، وسلك وحده شعبًا، وخذلهم في الجلى فملأ القلوب رعبًا، واشتفّ صُبابة المال، فلم يدَعْ لبائس حلسًا ولا لبائسة قَعْبًا ... لم يُرد أسدًا خادرًا، وإنما أراد رجلًا سادرًا، يظهر في زمن نحس، ويبيع ضفَّتي الأردن بثمن بخس، وأيْن ليث عفَّره بدر بسوط، من شخص كفَّره صدْرٌ بنوط.

أيّتها البُحيرة (٩)، مالك في حيرة؟ لقد شهدت لبدر بن عمّار بالفتوة، فهل تشهدين لأبي الطيب بالنبوّة؟ ... وحدّثي الولي يا (ولية)، أيّهما كان عليك بلية؛ ذاك الذي وردك زائرًا، أم هذا الذي وردك خائرًا؟ إنهما لا يستويان؛ ذاك أسد غاب، رزقه في الناب، وهذا حلف وِجار، رزقه على الجار؛ ذاك يعيش على فرائسه، وهذا يعيش على فضلات سائسه، ذاك رمزُ إقدام، وهذا موطئ أقدام؛ ذاك ورد الفرات زئيرُه، وهذا جاوز الفرات تزويره؛ ذاك مشغول البال بتربية الأشبال، وهذا مشغول ... بعُرْس الغول.

أيها الصاعد في العقبة، المجاحش عن خيط الرقبة، البائع لجار السوء صقبه، لا يكن صوتُك الصيت، ولو أحييت المجر الميت.


٥) السماء لأنها مكفوفة.
٦) ابن العفيف التلمساني، له نزعات شاذة في الاعتقاد.
٧) طعام معروف عند اليهود.
٨) بدر بن عمار الذي قتل الأسد.
٩) المراد بحيرة طبرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>