للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن شأننا اليوم مع هذا الشبح الذي تختفي وراءه حينًا، ويختفي وراءك حينًا آخر، فقد تشابهتما وتشاكل الأمر. وقد انعقد بينكما نوع غريب من الحلول، لم يُعرف في جاهلية ولا إسلام. فأنت تتكلم باسمه، ولستَ إياه. وهو يتكلم باسمك، وليس إياك. ليجد كل واحد منكما في صاحبه ملتحدًا يدفع عنه المسؤولية، ويحمل عنه التبعة احتيالًا ومكر السيئ، ثم تبوءان بالسلامة معًا.

إننا إن أخذنا بمذهب الفقهاء عاملناك بما قالوه في المتسبّب في الجريمة والمباشر لها. وإن أخذنا بمذهب الأدباء، عاملناك بما تُسلمه معنا، وهو أن قائل الشر هو الشاعر الإنسي، لا رئيّه الجنيّ. ولا والله لا نبرح هذه المرة حتى نهدم الصومعة على رأس الراهب. فإن بيت الله- في جلاله- لا يجير عاصيًا ولا فارًّا بخَرْبة، وما كانت صومعتكم بيت الله، ولا كان راهبكم أبا عزّة في قومه ...

أفتظن- يا شيخ- أنك استعذت من هذا الشبح بمعاذ؟ أم يظن هذا الشبح أنه تقلَّد من قلمك سيفًا من فولاذ؟ وما هو إلا سيف أبي حية، ولو سمّيته- كما سمّاه- لعاب المنية.

إنك وذلك الشبح تعيشان في بقيّة من التقية. ولو كنتما صريحين لقلتما لنا ما هو الحق: أأنت مدير أم مُدار؟ وأنت المكتري أم صاحب الدار؟ ولبيَّنَ لنا ذلك الشبح منزلتك عنده: أأنت عبد مأمور، كما يقول بعض الناس؟ أم أنت عامل مأجور، كما يقول آخرون؟ ... إن أرذلَ الرجال، من يتطرف إليه مثلُ هذا الاحتمال؛ أما الحقيقة فهي أنكما شَرِيكَان في جريمة السب والكذب وقلب الحقائق: منك الألفاظ لمكانك في الكتابة، ومنهم المعاني لمنزلتهم في الأمية والتعجرف. أمّا تلك الأسماء، التي تُنعِل بها بعض كلماتك، فاغرُرْ بهما من لا يعرفك ولا يعرفها ... إننا لم ننسَ يوم كنت تنسب مقالاتك في "الوفاق" إلى الأستاذ "بوشاقور" والأستاذ "بوشنتوف" والناس كلهم يعرفون من هما، وما هي دركتهما في الأمية. ولو صحّ فألك واشتق من الكاتب الواحد كُتّاب، كما اشتقّ من اللفظ ألفاظ، لامتلأت الجزائر بالأساتذة والكتّاب؛ ولكذبت الإحصاءات الرسمية في عدد الكاتبين والأميين بهذا القطر؛ ورحم الله أهل الحياء.

وأما قول أحد أسيادك في تصريح له بجريدة "الأسبوع": "إن جريدة الزاهري تناصر حركتنا" فهو سبّة لك ولحركته معًا. ولولا أن تقول- كعادتك- إن هذه وشاية بين متحابين، لشرحنا لك المنطوق من تلك الكلمة والمفهوم.

ونحن نتمنّى لكما دوام الألفة والمحبة، وندعو لكما بذلك؛ وإن كانت أمنية لمحال، ودعاءً في ضلال، فما عهدناك تصبر على طعام واحد، وما عهدنا أسيادك يسقون الشجرة بعد جَنْي الثمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>